* ونبدأ بخبر بحيرا. فمع اختلاف مؤرخي السيرة في شخصيته ونسبته وملته يكادون يتفقون على كونه من أحبار أهل الكتاب، قد أقام في صومعته تلك يعبد الله في معزل عن مفاسد عصره. وحين يعرضون ليوم لقائه محمدا صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب يكادون يتفقون كذلك علة تنويهه بشأنه، بعد تحققه من صفاته التي يجدها في بعض آثار الأنبياء السابقين.. ويزيد بعضهم أنه على مرأى ومسمع من أشياخ الركب (أخذ بيد محمد صلى الله عليه وسلم فقال: "هذا سيد العالمين"وفي رواية الترمذي والبيهقي قال: "هذا رسول رب العالمين بعثه الله رحمة للعالمين.."ولما سأله هؤلاء عن مستند علمه عنه أجاب: "إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خرّ ساجدا، ولا يسجدون إلا لنبي.. وإني أعرفه بخاتم النبوة بأسفل من غضروف في كتفه.."ولم يكتف بالخبر فأراهم الشجرة وهي تفيء بظلها عليه.. ثم مازال بعمه حتى رده إلى مكة حماية له من الروم –وفي رواية من يهود- وتختم هذه الرواية بأن أبا بكر بعث معه بلالا وزوده الراهب بالكعك والزيت [5] .
والذي يهمنا من حديث بحيرا هو إخباره بمستقبل محمد صلى الله عليه وسلم من حيث اصطفاء الله إياه لرسالته الخاتمة، وتوكيده ذلك بسجود الشجر والحجر له.. فهاهنا يتوقف القارئ المفكر ليتساءل عن نصيب القصة من الواقع، وبخاصة أن بحيرا لم يلق بالخبر همسا في مسمع واحد بعينعه بل أعلنه صراحة على ملأ من أفراد الركب، الذين طالبه أشياخهم بالبرهان على مدّعاه..