وهناك سبب آخر لامتعاض الناس في البلدان (الديمقراطية) وهو وجود الأحزاب المختلفة كالمحافظين والعمال والأحرار؛ فالمحافظون يرون إعطاء الحرية أفراد الشعب كيف ما كانت كسكك الحديد والمعدن والمصانع الكبرى ويقولون: إن ذلك هو الأصلح لشعبهم ليتنافس أفراده وجماعاته، كالشركات مثلا في العمل لتكثير المنتوجات واستثمار البلاد واستخراج كنوزها، وبذلك يقع الازدهار والتقدم في جميع الميادين.
ويقول العمال الاشتراكيون: إن البلاد كلها بثمراتها ومعادنها وكنوزها ملك للشعب كله؛ فيجب أن تكون منابع الثروة الكبرى في يد الحكومة لئلا يستولي عليها أفراد قليلون يحتكرونها ويستحوذون على الأرزاق خصوصا مع إباحة الربا فتصير جماهير الشعب الكادحة التي بعرق جبينها استخرجت تلك الأموال والأرزاق خدما وعبيدا لفئة قليلة من ذوي رؤوس الأموال المحتكرين.
وتتهم الأحزاب بعضها بعضا بعدم النزاهة في الانتخاب، ولكن لما كانت الأحزاب متعددة يكون من السهل على كل حزب أن يكتشف ويفضح دسائس الحزب الآخر، فيزول الحيف ويقع التوازن.
فحزب العمال يبذل جهده في تأميم المنابع الكبرى، وحزب المحافظين يبذل جهده في ترك الناس أحرارا في المضاربة والاستثمار، وكل منهما يرى أن وجهته أفضل لشعبه؛ وقد ساروا على هذا منذ زمان طويل ورضوا به واعتقدوا أنّه أفضل ما يقدم البشر عليه من العدالة.