مما لا يختلف عليه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في حياته المرجع للأحكام الشرعية- فعنه صلى الله عليه وسلم تصدر الأحكام التي يوحيها له الله تعالى قرآنا كريما متلواً مرتلا أو يلهمه إياها تعالى فتأتي سنة نبوية شريفة. فمصدر التشريع كان الوحي الإلهي الذي يأتي على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصدر الأحكام من خلال القرآن والسنة كان يرسي من خلال هذين المصدرين الرئيسيين أصول الفقه الأخرى وقواعد الاجتهاد والبحث عن الحكم الشرعي. فأصول الفقه وقواعده التي تزخر بها كتب الأصول تستمدد شرعيتها وصلاحيتها من القرآن والسنة وتسترشد بها إلى غايات وأهداف الشريعة. فهي لا تتعارض مع هذين الأصلين الرئيسيين وإلاّ أسقطت من الحساب واعتبرت من الانحرافات التي لا يجوز الأخذ بها.
وعندما نقول أصول الفقه غير القرآن والسنة فإننا نقصد الإجماع والقياس وما يلحق به من أصول تستند على العقل والشرع. وكما أشرنا من قبل فإنه في واقع الأمر لا فصل بين نصوص القرآن والسنة وبين استخدام العقل البشري في استخراج الأحكام. فنصوص القرآن والسنة تتطلب استخدام العقل والنظر في تخصيص العام وتقييد المطلق وترجيح النصوص والنسخ الخ. والاجتهاد العقلي خارج دائرة النصوص ليس اجتهادا عقليا مطلقاً بل يقوم على تأييد النصوص له في المبدأ والمسار.
ويجدر أن نشير هنا إلى الدليل المستقى من الكتاب والسنة على إقرار مبدأ العمل بالأصول الأخرى غير القرآن والسنة من إجماع واجتهاد عقلي، ثم نترك تفصيل ذلك الاستدلال ومناقشته إلى مكانه من الحديث عن هذه الأصول.
إرساء أصل الإجماع في عهد النبوة: