لنأخذ مثلا المجتمعات التي كانت مكونة في بعض مدن الحجاز- مكة والمدينة على وجه الخصوص- فمكة مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم والمدينة منطلق دعوته. فقد كانت المجتمعات التي تعيش في هاتين المدينتين لا تنتظمها الدولة حقيقية مع أنها أكثر المدن تحضرا. فكان يسودها- كما هو معلوم- نظام القبيلة الذي يكون فيه الشيخ هو المصّرف لجميع الأمور. وهو المرجع لأفراد القبيلة في خصوماتها ومنازعاتها، وإن كان يشاركه في بعض الأوقات بعض الرجال من ذوي الرأي من العشائر والبيوت. فقد نجد بعض الأفراد يلجأون إلى بعض ذوي الرأي لفض بعض الخصومات أو لتلقي المشورة. لكن شيخ القبيلة يظل المرجع الأهم والأعلى في هذا المضمار.

ويستند شيخ القبيلة وذوي الرأي ممن يطلب منهم إصدار الأحكام على الأسس التالية:

أولا: العرف والتقاليد الجارية في القبيلة.

ثانيا: العقل المجرد وما يستحسنه الحاكم.

فهم لا يستندون إلى أصول مدونة ولا يرجعون إلى قوانين مكتوبة. وبديهي أن أحكاما كهذه معرضة للأخطاء والحيف. فالعرف يمكن أن يكون عرفا فاسداً فبناء الأحكام عليه يقود إلى الاستمرار في الفساد والخطأ. فالعرف كما هو معلوم ينتج عن الممارسات البشرية التي ربما يبتدعها مزاج فاسد.

والعقل المجرد واستحسان الحاكم يتأثر بالطبع بميول الحاكم وظروفه وقوًته وضعفه، وقوة وضعف الخصوم ومكانتهم عنده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015