وقد أجاب ابن حزم على ذلك، بأن هذه الحال- المشار إليها في القاعدة السابقة-محرم البلوغ إليها باختيار المرء للصوم في الحضر والسفر، وقد خصص النبي صلى الله عليه وسلم المنع من الصيام في السفر مطلقا بهذا الحديث، فيجب أخذ كلامه عليه الصلاة والسلام على عمومه [17] .
ويجاب عن ادعاء العموم من الحديث، بأن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه بعد ذلك، قد بين أن هذا العموم غير مراد، فقد ثبت عنهم الصوم والفطر بعد هذه الواقعة وقد وضحت ذلك في تعليقي على حديث أبي سعيد الخدري الذي جاء فيه: "لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر" [18] والشريعة كل لا يتجزأ.
وقد رد ابن القيم على أصحاب هذا الاتجاه وهو الاستدلال بعموم النص مع قطع النظر عن فعله صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه المخصص له، فقال: "وهذا موضع يغلط فيه كثير من قاصري العلم يحتجون بعموم نص على حكم ويغفلون عن عمل صاحب الشريعة وعمل أَصحابه الذي يبين مراده" [19] .
4- الدليل الرابع: من أدلة هذا الفريق الموجب للفطر في السفر: ما رواه أبو سلمة قال: أخبرني عمرو بن أمية الضمري، قال: "قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر فقال: انتظر الغداء يا أبا أمية، فقلت: إني صائم، فقال: تعال ادن مني حتى أخبرك عن المسافر أن الله عز وجل وضع عنه الصيام ونصف الصلاة" [20] .
ويناقش هذا الاستدلال من وجهين:
الوجه الأول:
أنه قد اختلف في سند هذا الحديث اختلافا كثيرا، فقد اختلف فيه على الأوزاعي، حيث رواه الأوزاعي عن يحي عن أبي سلمة عن أبي أمية الضمري ثم رواه الأوزاعي عن يحي عن أبي قلابة عن أبي المهاجر عن أبي أمية الضمري ثم رواه الأوزاعي عن يحي عن أبي قلابة عن أبي أمية الضمري [21] .