ويقوي هذا المعنى ما جاء في حديث أبى سعيد الخدري رضي الله عنه "سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام، قال: فنزلنا منزلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم، فكانت رخصة، فمنا من صام ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلا آخر، فقال: إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا، وكانت عزمة فأفطرنا، ثم قال: لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر" [12] .
فأمره صلى الله عليه وسلم بالفطر عند قربهم من لقاء عدوهم إنما كان يقصد بذلك تقويتهم في مواجهة عدوهم والأخذ بأسباب هذه التقوية واجب فيكون تركها معصية.
ويتضح من حديث أبي سعيد أيضا، أنهم في حالة بعدهم من عدوهم، أن الفطر ليس بلازم، فمن شاء صام ومن شاء أفطر. وقد فهم الصحابة ذلك، ففي حديث أبي سعيد هذا "فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر".
ومن باب أولى إذا كان السفر لغير الجهاد، فيكون الفطر فيه لمشيئة المسلم إن شاء صام وإن شاء أفطر. وقد ثبت ذلك من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أيضا، فقد جاء فيه: "لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر".
قد يقال: إن هذه الصيغة- نصوم مع رسوله الله صلى الله عليه وسلم- يفهم منها أنهم كانوا يصومون وهم في صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن يشاركهم الرسول صلى الله عليه وسلم في الصيام, وفعل الصحابة في حياته صلى الله عليه وسلم ليس حجة.
فيجاب عن ذلك، بأنه يكفي في حجية هذا الفعل، اطلاع رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه دون أن ينكره, فيكون سنة تقريرية وهي حجة قد يقال: يحتمل أنه لم يطلع عليهم حتى يكون ذلك سنة تقريرية.
فيجاب عن ذلك: بأنه وإن كان فيه بعد، لكن يكفي في الحجية حدوث هذا الفعل زمن نزول الوحي، لأنه لو كان فيه مخالفة لنزل الوحي ببيانها.