الرّاغب الأصفهاني وجهوده في اللّغة
للدكتور عمر عبد الرحمن السّاريسي
كلية اللغة العربية بالجامعة
مقدمة
إن من يبحث في حياة أبي القاسم، الحسين بن مفضل، المعروف بالراغب الأصفهاني [1] ، وفي جهوده المختلفة في اللغة والأدب وغيرها يجد عنتاً شديداً. فبينا هو يرى أن كتابه (محاضرات الأدباء) لا يجهله أديب، ويلحظ أن معجمه في (مفردات ألفاظ القرآن) لم يستغن عنه مفسِر أو معجمي جاء بعده، وبينا هو يطالع قول الإمام فخر الدين الرازي (656) ، من أن أبا حامد الغزالي (505) كان يعجب بكتابه (الذريعة إلى مكارم الشريعة) ويستحسنه لنفاسته [2] ؛ إذا هو لا يكاد يجد له ترجمة في كتب الطبقات والتراجم [3] !!!.
وربما نتج عن هذا أن الرجل لم ينل حظه من الدراسة والبحث في الأبحاث المعاصرة أيضاً، فلم تفرد له دراسة مستقلة بل لم تعن به الدراسات التي تناولت أدباء العصر العباسي وفنونهم النثرية [4] .
أما المشكلة الثانية التي تجابه المتصدي للكشف عن آثار هذا الرجل وأثره فهي تحديد عصره وذكر تاريخ وفاته وشيء عن نشأته. فكل ما قيل عنه لا يعدو ذكر ميلاده في أصفهان واختلافه إلى بغداد وأنه إمام في اللغة والأدب والتفسير، وأنه قد توفى عام502 هـ.
ولقد كان الفارق الكبير بين ما يحق له من شهرة علمية مناسبة وبين هذا التنكر والتجاهل حافزاً قويا على العكوف على دراسته وتقصي أخباره مهما بعدت مظان أخباره وآثاره.
وكان مما انتهى إليه الباحث، في هذا البحث، أن خيل إليه أنه قد جَمع ما يمكن أن يكوّن صورة أولية عن حياة الراغب وعصره وعن جهوده الفكرية واللغوية.
أما في الأولى فأهم ما يزعم أنه قد توصل إليه أن صاحبه لم يتوف عام 502، كما زعم أكثر الذين ذكروه، بل إنه على المرجح أن يكون قد توفي قبل هذا التاريخ بقرن كامل من الزمان!! وهو فرق ليس باليسير في معرفة رجال التراث.