فلبشر قصيدتان طويلتان رواهما الجاحظ في الحيوان، أولاهما في ذمّ فرق الإباضية والرافضة والحشوية، وذكر فيها أصنافاً من الحيوان، وتحدث عن أعاجيبها وطبائعها، وما تقتات به، مستدلاً بذلك على قدرة الخالق، وقد بدأها بالحكمة، فقال:
وكلهم من شأنه الختر
الناس دأباً في طلاب الغنى
لها عواء ولها زفر
كأذؤب تنهشها أذؤب
كل له في نفسه سحر
تراهم فوضى وأيدي سبا.
بين يديه النفع والضر
تبارك الله وسبحانه
الذيخ والتيتل والعفر
من خلقه في رزقه كلهم
ويعدد أصناف الحيوان، وكيف تعيش وتقتات، حتى ينتهي من ذلك إلى قوله:
فالله يقضي وله الأجر
إني وإن كنت ضعيف القوى
كرافضي غرّه الجفر
لست إباضياً غبيّاًولا
سَفْراً، فأودى عنده السفْر
كما يغرّ الآل في سبب
فعاله عندهما كفر
كلاهما وسّع في جهل ما
عابوا الذي عابوا ولم يدروا [31]
لسًنا من الحشو الجفاة الألى
والقصيدة الثانية تتحدث عن العالم وما فيه من المخلوقات المختلفة الأجناس، ويعدد الشاعر الحيوان وأوضاعه مستدلاً بذلك على حكمة الله، مستخلصاً من ذلك أن العقل وحده هو الذي ينبغي أن يهتدي به الناس، وألاّ يتخذوا غيره رائداً مرشداً كما يفعل من ضلوا واحتكموا إلى التقليد:
يقصر عنها عدد القطر
أما ترى العالم ذا حشوة
وكل سبع وافر الظفر
أوابد الوحش وأجناسها
وبعد أن يعدد أجناساً من الحيوان، يقول:
خفية الحسبان في قعر
فكم ترى في الخلق من آية
يحار فيها واضح الفجر
أبرزها الفكر على فكرة
وصاحب في العسر واليسر
لله در العقل من رائد
قضية الشاهد للأمر