على أن الدكتور طه حسين يرى أن أبان بن عبد الحميد اللاحقي هو مبتكر هذا الفن في الأدب العربي، إذ يقول: " ... يظهر أن أبان هو أول من عني بهذا الفن [6] ... ". ويقول عنه في موضع آخر" ... فهو إمام طائفة عظيمة من الناظمين، نعني أنه ابتكر في الأدب العربي فنّاً لم يتعاطه أحد من قبله، وهو فن الشعر التعليمي" [7] .
ويذهب شوقي ضيف إلى رأيين متناقضين كلّ التناقض، متعارضين التعارض كلّه، ولا ندري على أيهما استقر رأيه النهائي بإزاء المسألة!.. ففي كتابه: العصر العباسي الأول، يرى أنه "فن استحدثه الشعراء العباسيون، ولم تكن له أصول قديمة، ونقصد فن الشعر التعليمي الذي دفع إليه رقى الحياة العقلية في العصر، فإذا نفر من الشعراء ينظمون بعض المعارف أو بعض السير والأخبار" [8] … بينما يذهب الدكتور شوقي ضيف في كتابه الآخر (التطور والتجديد في الشعر الأموي) مذهباً آخر يوشك- في رأينا- أن يكون صائباً، ولكنه لم يسر فيه إلى آخر الشوط، كما سنرى بعد …
فهو يذهب ههنا إلى أن الشعر التعليمي ذو نشأة عربية خالصة في آخر القرن الأول الهجري وأول الثاني، أو قل في أواخر دولة الأمويين.. إذ أن أراجيز الرُّجاز وبخاصة رؤبة والعجاج قد كانت متوناً لغوية، وبالتالي فهو النواة والبذرة التي انبنى عليها الشعر التعليمي في جانب الكلام المنظوم، وتطور في جانب النثر فكانت المقامات ... ويقول الكاتب: "ونحن نؤمن بأن هؤلاء الرّجاز-وفي مقدمتهم رؤبة- هم الذين أعدوا شعراء العصر العباسي لا للشعر التعليمي فحسب، بل لاقتباسهم للغريب في أشعارهم، فالغريب أصبح جزءا هاما في مادة الشعر عند الشعراء الممتازين من أمثال بشار وأبي نواس وأبي تمام ... " [9]