ولما كان قولهم هذا يتضمن الطعن في الحكمة الإلهية، ونسبة العبث إلى الله في خلقه العباد وتركهم سدي، إذ يقتضي ذلك التسوية بين المحسن والمسيء وبين الخير والشر، وهما لا يستويان عند الله، كما قال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (الجاثية آية 31) وقال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً مَا تَتَذَكَّرُونَ} (غافر آية 58) وقال تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} (السجدة آية 18) .

لذلك فقد رد الله عليهم شبهتهم هذه وأكد لهم أن البعث أمر محتم، لابد من وقوعه، فهو وعد عليه حقا، لابد من إنجازه، ذلك لأن الله تعالى قد وعد به، ووعده حق ثابت لابد من وقوعه، قال تعالى {بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً} .

وإنما كان البعث حقا وواقعا، لأن هذه الحياة الدنيا، ليست هي النهاية بل هي وسيلة إلى حياة أخرى، ومعبر يعبر عليه الإنسان إلى الحياة الباقية، كي يجازى فيها على ما عمله في هذه الحياة {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ} وهم المنكرون للبعث لجهلهم بالله تعالى {لا يَعْلَمُونَ} ما يتضمنه البعث من العدل بين العباد.

تم بين لهم حكمته في المعاد، فقال تعالى: {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} ففي ذلك اليوم يظهر لكل مخالف في شيء (ما) الحق فيما خالف فيه، ويجازي فيه كل عامل على عمله، كما قال تعالى {… لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} (النجم آية 31) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015