وبعد أن يتقرر الدليل ويتضح لدى المخاطبين بما لا يدع مجالا للشك في قبول النتيجة يورد القضية المستدل عليها فيقول: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فالله هو الموجود بذاته لذاته، ومن شأنه إحياء الموتى، فهو الذي خلق الموت والحياة. وهو القادر على الخلق بدءاً وإعادة، لأنه على كل شيء قدير {وَأَنَّ السَّاعَةَ} وهى موعد الحياة الثانية {آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا} لوضوح دلائلها، ثم ختمت الآية بالنتيجة المطلوب، وهى القضية التي يرتاب فيها المنكرون للبعث، فقال تعالى {وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} تلك القبور التي تحتوي على أجساد الموتى، التي تفتت، ورمت، واختلطت بغيرها. ذلك أن الله تعالى قادر على إعادتها، ليوفيها الحساب على عمدها في الحياة الدنيا.

المسلك الثالث: هو إخبار الله تعالى بوقع البعث من غير أن يذكر الدليل على ذلك.

ذكرنا في أول هذا المبحث، أن أعظم شبهة يستند إليها منكروا البعث، هي استبعادهم إعادة الأجسام إلى ما كانت عليه، بعد أن صارت ترابا، واختلط بعضها ببعض: وعرفنا مسلك القرآن الكريم لعلاج تلك الشبهة ودحضها في المسلكين السابقين. وهما: إما أن يورد الشبهة أولا ثم يبين بطلانها بالدليل.

وإما أن يذكر الدليل على البعث والإعادة أولا، وبعد وضوحه وتقريره يورد القضية وهناك مسلك ثالث سلكه القرآن الكريم في قضية البعث، وهو أنه يذكر رأي المنكرين للبعث من غير أن يذكر شبهتهم، بل يذكر دعواهم مجردة عن الدليل، ثم ينكر القرآن على هذه الدعوى بالرفض والإبطال، ويبين أن البعث واقع لا محالة، ويؤيد هذا الوقوع بالقسم منه جل وعلا، ولعله لم يذكر الدليل في هذه الآيات، بل طواه، نظرا لأنه ذكره أكثر من مرة في آيات متعددة، وليس بلازم أن يذكر الدليل عند كل مناسبة. فإن القرآن يفسر بعضه بعضاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015