وحينما اتجه الإنسان إلى الزراعة، كان في حاجة إلى العناية بالأرض عناية تتكرر كل يوم، وإلى تنظيم العمل، كما أنه كان مع حاجة إلى من يساعده، وهذه المساعدة كانت تعتمد في النهاية على القوة والإرغام، وحدوث التعاون بين الناس، انتهى إلى استخدام الضعفاء بواسطة الأقوياء ثم فكر القوى الظافر في القتال أن الأسير الذي يقتله يمكن أن يبقيه حيا. فيستخدمه في زراعة الأرض. وبهذا قلت المجاور وقل أكل الناس لحوم بعضهم بعضا. وحين أمتنع الإنسان المنتصر عن قتل المغلوب اعتبر هذا تقدما عظيما للإنسان من حيث الأخلاق، حين أقلع عن قتل زميله أو أكله واكتفى من أعدائه باسترقاقهم، وإعمالهم في الأرض وفي الزراعة [4] ثم انتقل استرقاق الغير من الزراعة إلى الصناعة، حتى إذا زادت الثروة، ومال الأغنياء إلى الدعة والراحة، واستغلال الآخرين في ذلك جعل الناس ينظرون إليه كأنه نظام فطري لا غنى عنه.
وكانت الجماعات البدائية لا ترى فارقا بين الحر والعبد، ولا تجد رقا ولا طبقات، ولا تدرك من الفوارق بين الرئيس وتابعيه إلا قدرا ضئيلا وبالتدريج، أخذ تقسيم العمل. وما يقتضيه الاختلاف بين الناس، يستبدل شيئا فشيئا المساواة بقليل من التحكم الذي زاد على مرور الأيام، ثم لما ازدادت الآلات والصناعات تعقدا، عمل ذلك على إخضاع الضعيف لمشيئة القوى، وكلما ظهر سلاح جديد في أيدي الأقوياء زاد من سلطانهم على الضعفاء واستغلالهم إياهم.
ثم عمل نظام التوريث على اتساع الهوة بأن أضاف إلى الامتياز في الفرص السانحة امتيازا في الأملاك.
وقسمت المجتمعات التي كانت يوما متجانسة إلى عدد لا يحصى من طبقات وأوساط، وأحس الأغنياء والفقراء بغناهم أو فقرهم إحساسا يؤدى إلى التشاحن، وأخذت حرب الطبقات تسرب خلال التاريخ حتى انتهت إلى وجود طبقة من الناس تُستخدم وكأنها آلة تتحرك بغير إرادتها يحركها الغير، وكأنها دمية توجه حسب ما يريد لها سيدها [5] .