وفي كل هذه الروايات أمر من الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد حمله القاضي عياض والنووي والرافعي على الندب لأنه أمر يرجع إلى تحسين الهيئة وتجميلها ولا +-يحتاج إلى الوجوب كما أنه قرن بإحفاء الشارب، والجمهور على أنه سنة إلا من شذ كما أن توفير اللحية من خصال الفطرة كالختان، والاستحداد، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، والسواك، والإستنشاق، وغسل البراجم، والمضمضة، وانتقاص الماء، وظاهر كونها من الفطرة أنها سنة. وقد اختلف في وجوب بعضها. واللحية من زينة العرب التي امتازوا بها عن غيرهم وقد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وجد قومه عليها. ولذلك قال هؤلاء العلماء بكراهة حلق اللحية وقصها. وأما الأئمة الأربعة رضي الله عنهم وجمهور الفقهاء والمحدثين فقد ذهبوا إلى أن الأمر بإعفائها وتوفيرها للوجوب لا للندب وقالوا بحرمة حلقها. واحتجوا بما يأتي:-
أولاً: لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بها وقد وضعت صيغة الأمر للوجوب ما لم يصرفها عن ذلك صارف بقرينة تدل عليه، ولا قرينة هنا حتى تصرف هذا الأمر عن ظاهره ومقتضاه. وجمهور أهل الأصول والحديث على أنه إذا أمر بشيء كان ذلك الأمر نهياً عن ضده سواء كان ذلك الضد واحداً أو متعدداً. والأمر بإعفاء اللحية نهيٌ عن حلقها أو قصها أو تقصيرها. وقد قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر/7) ، وإعفاء اللحية ثابت من هديه صلى الله عليه وسلم، ونحن مأمورون بالإقتداء به. فهو صلى الله عليه وسلم قد أعفاها وأمرنا بذلك. ولا شك أن أكرم العادات وأشرفها هي عاداته صلى الله عليه وسلم. وإعفاء اللحية وإن كان شأن العرب وخاصيتهم إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره به قد نقله من كونه عرفاً وعادةً إلى كونه عبادة مأموراً بها مثاباً على فعلها معاقباً على تركها.