فما يفتح لهم الشيطان باباً من الظلال إلا ولجوه، ولا يزين لهم طريقاً من طرق البدع، إلا سلكوه، وما زال الخطر يستفحل والشر يتفاقم، حتى بلغ شأواً بعيداً في تفريق الأمة وتمزيق شملها، وقد ساعد على ذلك سكوت كثير من العلماء، وتهاونهم وجبنهم عن مواجهة العامة خوفاً من غضبهم ومجاراة لهم، وحرصاً على اجتلاب رضاهم ولو بسخط الله.
حفظ هذا الدين وبقاؤه:
ولكن الله عز وجل لم يكن ليترك دينه لعبث هؤلاء المبتدعين، بل قيض له من أرباب الألسنة والأقلام قديماً وحديثاً من يهب للدفاع عنه، ومحاربة كل دخيل عليه حيث تكفل سبحانه بحفظ هذا الدين وصيانته، وإن تكالب عليه أهل الأرض جميعا وقد حصل ولله الحمد والمنة، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} . وقال تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} .
وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة:-
وقد تضافرت النصوص الكثيرة على الأمر بالاعتصام بالكتاب والسنة واتباع السلف الصالح الذين قام بهم الكتاب، وبه قاموا ونطق بهم وبه نطقوا، وطبقوه بكل صدق وإخلاص وأمانة، ووقفوا عند حدوده، وحكموه في كل شؤون حياتهم، ولم يدخروا وسعاً في فهم معانيه ومعرفة أسراره، وقد نوه الكتاب العزيز بفضلهم ونص على أن لهم اليد الطولى في الفضل والعلم والعمل الجاد الخالص، قال تعالى: مشيداً بفضلهم وآمراً باتباعهم {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} ، التوبة/ 100.