حول قول الله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ القَوْلُ عَليْهِمْ أَخْرَجْنَا لهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ} (82: النمل) ، وجدنا لبعض المفسرين تعسفا في التفسير، ووجدنا عند غيرهم شططا في التأويل، وأخذ كل صاحب هوى يحمل الآية على هواه، أو يحمل ألفاظها مشتهاه، وهاك بسط القول:

1- خروج الدابة وظهور الأرواح:

حاول الشيخ طنطاوي جوهر- جريا على مسلكه في التأويلات، واتباعا لنهجه في تحميل ألفاظ الآيات النظريات المحدثات- عقد الصلة بين خروج الدابة وبين خرافة ظهور الأرواح، فقال [90] : "يقول الله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ القَوْلُ عَليْهِمْ} أي شارف الوقوع، وهو قرب قيام الساعة، وحقت كلمة العذاب على نوع الإنسان، فجهلوا بالمعنويات، وعكفوا على الماديات، وكذبوا الديانات، وشكوا في الآيات، وأصبحوا لا شرف لهم في حكوماتهم ولا أفرادهم، ومردوا على الكذب والنفاق، وازدادوا بالعلم عمى، وبالفلسفة ظلما، أخرج لهم من الأرض من يطرق الموائد ويحركها، ويمسك الأقلام في أيديهم، ويكتب لهم، ويتراءى لهم في أشكال وأزياء مختلفة، ووجوه نورية، فتراه أبصارهم، ويسمعون كلامه، وطورا يبصرون أشكالا، وتارة يقرؤون خطوطا، وآونة يسمعون صريرا وصوتا شديدا، كالرعد القاصف، وقد يحسون ببرودة تمر عليهم، ثم تتحرك الأيدي بالكتابة [91] ، فكان في عمله أشبه بمن يدب على الأرض من الإنسان في تعقله وعمله، وبما يجري فوقها من الدواب في حركاتها وأعمالها الأخرى، فهذا يشير له معنى قوله تعالى: {أَخْرَجْنَا لهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ} ، وهذه الدابة تبين للناس حقائق، وتدرس لهم حكمة وتريهم أنهم غافلون جاهلون ضالون، فيجلس أمامها أكبر الضالين، وأعظم الفاسقين وأشد الغافلين، ومن يدعي أنه ملك مقاليد العلم، وبرع في الحكمة الهادية، فيخر ساجدا لربه، خاضعا لخالقه، موقنا أن روحه ستبقى بعد موته، فهذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015