أما تسميتها بالرقطاء فقد جاءت تشبيها لها بالدجاجة المرقشة المنقطة بسواد وبياض، لأنها جاءت بحرف منقوط وآخر غير منقوط من أولها إلى آخرها.
ونظرا لكونه لم ينظم أبياتا مستقلة بهذه الصورة فقد قام بإدماج بعض الأبيات بهذه الصفة داخل هذه الرسالة، فإلى شيء منها من خلال المقامة السادسة والعشرين:
(أخلاق سيدنا تحب، وبعقوته يلب، وقربه تحف، ونأيه تلف، وخلته نسب، وقطيعنه نصب، وغربه ذلق، وشهبه تأتلق، وقويم نهجه بان، وذهنه قلب وجرب، ونعته شرق وغرب:
سيد قُلَّب سبوق مُبِر
فطن مغرب عزوف عَيوف
مُخلِف مُتلف أغرّ فريد
نابِهٌ فاضل ذكي أَنوف
مُغلِق إن أبان طَبّ إذا نا
ب هياج وجل خطب مخوف
واستمر هكذا نثر، ثم شعر، ثم نثر، ثم شعر إلى آخر الرسالة التي يصعب تمييزها عن السابقة لها في الثقل والتعقيد.
الملحق بالبديع:
قبل أن نخرج من الحديث عن البديع عند الحريري نتساءل هل ترك ذلك الملحق الذي اعتاد البلاغيون أن يذكروه عقب الحديث عن المحسنات ويجعلوه ملحقا به؟
لم يبخل الحريري ولم يترك ذلك اللون المسمى بالسرقات الشعرية، إلا أنه اخترع لنا لونا جديدا من نظم الشعر وقال إن فيه سرقة لا كالسرقات المألوفة، لأنها تمت بأن وضع هو نفسه يده اليسرى في (جيبه) الأيمن، لهذا يبدو لي أنه لا يستحق أن تقطع يده بسبب هذه السرقة، وهذا اللون البديعي للحريري، صنعه بطريقة خاصة معينة، وهي أن يأتي بأبيات من الشعر على قافية الراء مثلا؛ فإذا حذفت الجزء الأخير من البيت تغير بحر القصيدة وتلون بلون آخر، وخرجت القصيدة في ثوب آخر جديد، وانتهت بقافية أخرى جديدة؛ فالمثال أحسن موضح لجواب السؤال، وإليك بما نقول من المقامة الثالثة والعشرين:
يا خاطِب الدنيا الدَّنيّة إنها
شرك الردى وقرارة الأكدار
دار متى ما أضحكت في يومها
أبكت غدا بعدا لها من دار