يبدو أن هذا هو الداعي إلى القول بأن مثل هذا العمل مهما كلف من جهد، واستنفذ من وقت، مجانب لرواء الأدب وجماله، ويرى النقاد أنه لا يبعث عليه إلا الغرام بالصنعة والغلو في التكلف والولوع بحب الإغراب والشغف بالإتيان بما يستدعي الإعجاب، ولكن لا يبعد أن يكون الاستنكار على هذه الأنواع كلها جملة واحدة هو من باب محاولة توسيع دائرة الأدب والفن ليدخل فيه كل من أراد وبأي شيء جمعه، إلا أن التوسط في كل شيء محمود، فالعمل الذي جاء طريفا وممتعا ينبغي أن يقدر حق قدره، فلا ينبغي أن يرفض، لأن صاحبه قد بذل جهدا كبيرا فاق ما نستطيع نحن بذله، فعلينا أن نعترف بحلاوة العسل مهما تعب الذي اشتاره، لا نقول إنه مرّ لأن الذي وصل إليه اقتحم ما لا يستطيع أمثالنا اقتحامه!.

والآن نعود إلى الحديث عن البديع عند الحريري، يبدو أن الحريري إذا تناول أي لون من الألوان يفرع منه لونا آخر جديدا؛ فقد فرع فيما يظهر من الجناس الخطي هذا العمل الذي نشير إليه الآن، وهو التزام حروف معينة ذات صفة متفقة واحدة في الكلام، وأبرز ذلك: إخراجه الكلام بحروف منقوطة فقط أو بغير نقط، أو مختلطة، فنقدم لك الآن من تلك الفنون البديعية التي اهتم بها وأبرز شانها اللون الذي أورده في أبيات سماها بالعواطل أي الخالية من النقط، اقرأ معي هذه الأبيات:

اعدد لحسادك حد السلاح

وأورد الآمل ورد السماح

وصارم اللهو ووصل المها

وأعمل الكوم وسمر الرماح

واسع لإدراك محل سما

عماده لا لادراع المراح

والله ما السؤدد حسو الطلا

ولا مراد الحمد رود رداح

واها لحر واسع صدره

وهمه ما سر أهل الصلاح

معني المفردات تحت الخط [35] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015