هذا هو قول المتأخرين الذين فصلوا البديع عن علمي البلاغة: المعاني والبيان، إلا أن من رجال العصر الحاضر من له رأي غير هذا حول هذه الأصباغ البديعية، إذا جاءت فطرية كما وجدت في الأدب العربي القديم، واتفقت اتفاقا واطردت كما هي في كلامهم حيث تأتي عفو الخاطر وفيض الفطرة السليقة، من غير تكلف وإعمال فكر، فإن كانت بهذه الصورة فهو لا يرى أنها عرضية تابعة للبلاغة، أو أنها لا تأثير لها في فن القول: لأن الذين أخرجوا البديع من البلاغة اعتمدوا على التقسيمات البحتة، ونظروا إلى ما جاء منها مخالفا للفطرة والسليقة، بل جاء بعد تفكر وتدبر وإعمال فكر وروية، فهو يرجع بفن القول إلى أصله وميدانه، وينظر إليه من زاوية التذوق والتأثير النفسي في المخاطب وبناء المعنى وعمقه، فهي من هذا الجانب من مقومات البلاغة.
فمن أراد الوقوف على هذا يمكنه أن يرجع إلى كتاب الصبغ الأدبي في اللغة العربية للدكتور أحمد إبراهيم موسى؛ حيث قدم فيه دراسة متكاملة للبديع، وخاصة في القسم الأخير من هذا الكتاب.
هذا وتناولنا لهذه الألوان البديعية لا يعني أننا سنأخذ بتلك الصورة التقليدية المنهجية أو المدرسية، فنعود بها إلى الترتيب المنطقي، بل سنتناول حسب ما نجدها واردة في الكتاب الذي نتناوله بالدراسة بعيدا عن تعقيد الأمور أو التكلف:
المقابلة:
إذا أخذنا في تصفح الكتاب (المقامات) نجد الحريري يورد هذا اللون البديعي في مقدمة خطبة المقامات مثل قوله: "ونعوذ بك من شرة اللَّسَن، وفضول الهذَر، كما نعوذ بك من معرة اللَّكَن وفضوح الحصر" [5] ، فقد استعاذ منهما لأن الاقتدار على الكلام قد يؤدي إلى المطاولة في الجدل، وتصوير الحق بصورة الباطل، أو العكس، وفي ذلك إثم على فاعله؛ لهذا استعاذ منهما.