وهنا رأينا الناس مثل النمل كثرة ونظاما، على الرغم من أنهم يمشون في كل اتجاه، وهم يتعاملون في التعرف على اتجاهاتهم مع اللافتات الإرشادية التي كتبت على الجدران، فترى الفرد أم الجماعة يقفون لحظة لينظروا إلى الكتابة ثم ينطلقون بسرعة إلى الجهة التي يريدون دون أن يسأل أحد أحدا، ودون أن تسمع منهم أصواتا وضجيجا، بل إذا كلم أحد صاحبه كلمه بصوت خافت لا يسمعه إلا صاحبه، ويتعاملون في الإجراءات اللازمة لركوب القطار مع الآلات المركبة في الجدران، فالذي عنده قروش معدنية يقف أمام الماكينة ويدخل المبلغ اللازم في الماكينة ويضغط على الزر؛ فتناوله الماكينة البطاقة ذات القيمة، وإذا كان المبلغ النقدي أكثر من قيمة البطاقة دفعت له الباقي.
الآلة تبيعك ما تحتاج إليه:
وإذا كانت أوراق نقدية ذهب إلى آلة أخرى ليدخل المبلغ الورقي؛ فتصرف له الآلة ذلك وتدفع له قيمته نقدا معدنيا يدا بيد! وهكذا أصبحت الآلة تتعامل مع الناس بسرعة ودقة متناهية يسرت الأمور، وحالت بينهم وبين التعقيدات الناتجة عن معاملة بعضهم مع بعض، وإن كانت عطلت أيدي البشر عن العمل؛ فكانت بذلك الشكوى العالمية من البطالة.
ونزلنا إلى الأسواق الأرضية فوجدنا اليابانيين فيها، كأنهم قطع من يأجوج ومأجوج، وهكذا كلما نزلت إلى طابق من الطوابق الأرضية وجدته أكثر من الطوابق الأعلى منه، وهكذا تمتد الأسواق في مدينة طوكيو في طوابق متعددة في الأرض إلى مسافات لو أراد الإنسان أن يمشي حتى يقطعها لاحتاج إلى الزاد والراحلة، لولا الآلات التي يمكنه أن يناولها نقوده فتناوله طعامه وشرابه في أي مكان، وإنك لتظن في كل طابق أنه يضم كل سكان طوكيو.