هذا المصطلح لم يكن معروفا في تاريخنا، وكلمة (مواطن) لا مدلول لها في المعجم الإسلامي، لأن الولاء في الإسلام للعقيدة، لا للأرض ولا للقوم، ولا لغيرها من الاعتبارات الأخرى التي دخلت ثقافتنا حديثا بتأثير الغزو الفكري الأوروبي حيث استلهمت من أوروبا الغربية خصوصا فرنسا وإنكلترا [2] ولو أننا رجعنا إلى القرآن الكريم لاستخلاص المصطلح الإسلامي لم نجد ذكرا للوطن ولا للمواطن، وإنما يستعمل القرآن كلمة أخرى وهي (الدار) - معرفة بالألف واللام تارة، وبالإضافة تارة أخرى - فمن الأول قوله تعالى في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم في معرض حديثه عن الأنصار: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} . ومن الثاني حدثه عن المهاجرين حيث يقول: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ... } ومن ذلك قوله مخاطبا بني إسرائيل: {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} ..
فالعقيدة في الإسلام قبل (الوطن) أو (الدار) وفي حالة التعارض على المسلم أن يهاجر من بلده ويترك داره {الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا..} ومن هنا كان المصطلح الإسلامي (دار الإسلام) مصطلحا قرآنيا - بالمعنى لا باللفظ - تبرز فيه العقيدة قبل الأرض، وتستمد الأرض فيه قيمتها من العقيدة التي فوقها، والناس في دار الإسلام لا ينسبون إلى الأرض (مواطنون) وإنما ينسبون إلى عقائدهم (مسلمون) .