اضطررنا أن نستأجر سيارة خاصة، وأعطينا السائق عنوان المركز؛ فأخذ يقرأه فلم يعرفه؛ فرجع إلى الفندق يسأل عنه؛ فدله عليه بعض الموظفين، وسار بنا بعد ذلك في طريق تتلوى في بعض الأماكن مثل الثعبان، وفي بعضها تكون مستقيمة، إلا أن الشوارع هناك ضيقة في الغالب، نظرا لكثافة السكان وضيق الأرض بالنسبة لحاجتهم إليها للسكنى والزراعة، وكانت تحيط بنا الأشجار الكثيرة من الجانبين، وكذلك المنازل السكنية الصغيرة التي كنت أقول في نفسي إن مساحة الحجرة في هذه المنازل ربما لا تتسع إلا للياباني الواحد، أو لقصار الناس من غيرهم، وكانت العمارات متصلة في الغالب حتى كأنها جزء من مدينة طوكيو، بعد ذلك كانت تحيط بنا المصانع من الجانبين، وكانت الشوارع مزدحمة بالسيارات لكثرتها، ولكن على الرغم من الزحمة الشديدة لم نسمع صوتا لبوق سيارة من تلك السيارات، حيث كل سائق آخذ مكانه لا يحاول الاعتداء على مكان أحد، ويشعر بأن وقوف من أمامه وقوف عادي لوجود الزحمة فليس في حاجة أن يزعج الناس ببوق سيارته بدون مناسبة أو فائدة، كما نفعل نحن في بلدان ما يسمى بالشرق الأوسط؛ إذ تجد بعض السائقين يسير وحده في الشارع وهو مستمر في الضغط على بوق سيارته، كما تجد الأصوات ترتفع عندما تتغير الإشارة الكهربائية من اللون الأحمر إلى اللون الأخضر، مع أن كل سائق لا يرغب أن يقف فور انفتاح الطريق أمامه؛ فلا يحتاج على من يحثه على السير، ولكنها طبيعة غالبة سيئة ألفها الناس فاستمرأوها.
أما في بلاد الغرب - ومثلها اليابان - فإن صوت بوق السيارة يعتبر ضرورة؛ فلا يسمع إلا ظن أن أمرا ما كاد يحدث أو قد حدث.
وبعد مسافة اختار سائقنا طريقا سريعا يمر تحت الأرض حيث دفع مبلغا من المال في أحد مراكز المرور، وذهب مسرعا السرعة المحدودة ولا يوجد في هذا الشارع إلا القليل من السيارات وفي اتجاه واحد، ولكن المبلغ الذي دفعه السائق حسبه علينا ضمن الأجرة.