- 9 -

رب الدار: ما لنا علم بأوروبا ولا أهلها فإننا ما خرجنا من مصر مدة حياتنا.

المهذب: عدم الخروج من البلاد ليس شرطاً في وقوف الإنسان على حقائق الأشياء وعلمه بأخبار من بعده عنه فإن التواريخ وصحف الأخبار تقص علينا أحاديث الأمم ونحن جلوس في بيوتنا.

رب الدار: التواريخ لا يقرأها إلا العلماء والصحف لا يسأل عنها إلا الخواجات فإنها عبارة عن حكاية يتسلى بها الشبان.

المهذب: الصحف يا سيدي ألسنة الأمم وترجمان الملوك تنقل لك ما قاله هذا الرئيس وهو بأقصى الغرب وما أجاب هذا الأمير وهو في أطراف الشرق وتخبرك بالمحاورات السياسية وأغراض الملوك وأحوال الأمم وسير التجارة وأعمال العقلاء وصنائع العلماء وخطب النبهاء وتاريخ الأذكياء وما قامت به هذه الأمة من عمار وطنها وحمايتها له وحفظه من امتداد أيدي الغير إليه وما أهملت فيه تلك الأمة حتى خاتلها الغريب وتداخل في شأنها وحجر على أهلها عوائدهم ومذاهبهم.

رب الدار: هذا شيء يوجب وجه الدماغ ويشتت الفكر ولا يشتغل به إلا من ليس له شغل.

المهذب: أظنكم تتحدثون في شؤونكم وتتذاكرون في أشغالكم الخاصة بكم لعلكم تهتدون لأمر يزيد في الثروة أكثر مما أنتم عليه لتفاخر بكم حكومتكم وتكافئكم على أتعابكم واجتهادكم بالرتب العالية والعلامات الشريفة.

رب الدار: هذا أمر لا يهمنا فإن البلاد إذا تقدمت أو تأخرت لا تفيدنا شيئاً أحسن مما نحن

فيه.

المهذب: ما هو الذي وصلتم إليه يا سيد من التقدم.

رب الدار: لله الحمد كل منا له بيت عظيم بحوش واسع ومضيفة لطيفة وعنده من الخدم ما يقوم بإدارة أشغاله وقد تركت لنا آباءنا أموالاً لا تفنيها الأيام فنحن في نعمة عظيمة ترى المسكين من الناس يقوم في الفجر لأشغاله ويبيت الليل يكتب ويحسب ونحن لا نخرج من البيوت إلا قبل الظهر بقليل ونعود إليها وقت العصر للمسامرة بالمضحكات والنكات اللطيفة.

المهذب: إذا كانت هذه عادتكم فلم تجتمعون في مثل هذه السهرة.

رب الدار: عادة الكيف أنه لا يفرج إلا إذا تعاطاه الإنسان في مجلس أنس بضحك ولعب فنحن نجتمع ليتعاطى كل منا منزوله ثم تدور النكتة بيننا فإذا دنَّن الإنسان وخدَر قام ودخل محل النوم حسب العادة فيبيت مسوطاً لا يسأل عن الدنيا ولا من فيها. ثم التفت إلى أقرانه وقال رأيكم ايه يا أسيادنا في هذه العبارة فأجابه الجميع بصوت واحد: (مَفِش غير كدِه إحنا مالنا ومال الدنيا والتجارة والتواريخ احنا رايحين نبقى زي الإفرنج يلي كل ساعة يقولوا الدنيا جرى فيها ايه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015