- 6 -
سقطت في هذه الخربة أقلب جسمي على الأحجار وأرمق بعيني آثار أهلي وقصورهم المتهدمة ولكن لا أستطيع حراكاً حتى كنت أغالب هذا الأفرنجي وأصل إلى مقري ومنشأ عزي فأعالج نفسي بحشائش ترتبي وعقاقير أرضي من يد أطباء بلادي وصيادلة دياري فإن قويت عليّ فاحملني وإن تأذيت من صديدي فاجمع إليّ قومي لعلي أجد فيهم من يقبل على جيفتي ويسعى في نجاتي فقام هذا الزائر يضرب الكف بالكف أسفاً ويعض أنامله غيظاً وأسرع إلى الحي ونادى. أيتها القبور الصامتة انشقي وانفرجي وابعثي من فيك من الأموات فقد أتت الطامة الكبرى وانكدرت نجوم النشور. ويا أيتها الأرواح الخامدة هلمي إلى أجسامك البالية فأقيميها من موتتها وابعثيها في الوجود لتنظر هذا الذي تشقى بعدمه وتحاسب عليه.
فلم يكن إلا كلمح البصر حتى ملئ الفضاء بأناس لا عداد لهم يقدمهم طبيب بارع قد
استصحب معه جملة من الأطباء وساروا إلى تلك الجيفة واحتاطوا بها يقلبونها عن اليمين وعن الشمال ويفرعون صدرها ويجسون نبضها حتى وقفوا على دائها وعلموا أصل مصابها فحكموا على صاحبها بانتزاحه عنها وعدم قربه منها فوضوا أمر هذا المصاب إلى الطبيب البارع يتولى علاجه ويداوي جراحه فطلب من بقية الأطباء أن يرافقوه في هذه المعالجة ليتقوى بأفكارهم على ما يصلح به هذا الجسد الشريف وبعد تبادل الأفكار بينهم قرّ الرأي على أنهم يركبون له دواء يوقف سري الداء الآن حيث تحكم وتمكن بعد ذلك يتداولون فيما يزيل المرض ويعيد الصحة فتعلق بهم أهله يسألونهم الإسراع في معالجته والاجتهاد في دفع مصابه فترضتهم الأطباء وسألتهم الهدوء والسكون ومساعدتهم في خدمته وتنظيف محله وتطهير أعضائه وحفظه بحيث لا يتركون الغرباء يتولون خدمته ولا يمكنون الأجانب من الوصول إليه خوفاً من إفسادهم العلاج وسعيهم في إتلافه أكثر مما صنعوه به فكثر صياح أهله وعلت أصواتهم بالعويل ووضعوا أيديهم على أكبادهم وتصبروا وابتدأوا يعملون بمشورة الأطباء ويبذلون الجهد في وقايته وصيانته من كل من كان من جنس مصيبيه. قال الراوي وينما أنا أبكي وأنوح مع هؤلاء المساكين وإذا بالمؤذن ينادي حي على الفلاح فقمت لأقضي الفرض وأعود لمباشرة الخدمة مع إخواني إذ لم أرَ قبل هذا اجتماع مجلس طبي على مصاب بالإفرنجي.
ملخص من بداية القدماء
دلت التواريخ على أن المصريين من أقدم الأمم المتمدنة وكانت هذه المملكة من عهد الأنبياء زاهية بهية وزعم المتقدمون من أهلها أن أول من حكمها الآلهة وإن أولهم (بركان) حكمها تسعة آلاف سنة وإن كوكب الشمس