- 212 -
كان احد الفلاحين (واسمه زعبل) الذين نشب الفقر بهم اظفاره محطا لرحال شيخ الكفر يستخدمه في السخرة والعمليات الشاقة حتى انحل جسمه واذهب قوته فاخذ يكفر في حيلة يتخلص بها من مخالب سلطة الشيخ عليه فلم يجد احسن من الفرار سبيلا فعزم على اجتيازه غير ان النهار كان على وشك الانقضاء فمكث مكبا على اعماله حتى غربت الشمس واقبل سلطان الليل يجيش الظلمات فسار وهو خائف يترقب الى ان قطع اميالا أمنته على نفسه فتأمل خلقه فاذا حمامه تنقر في الارض للبحث على قوتها فاراد صيدها فاخذ حجرا صغيرا ورماها به فاصاب جناحها فعجزت عن الطيران فامسكها مسرورا ووضعها افي جيبه حتى يتمكن من ذبحاها وشيها ليدفع بها قوة الجوع
فجد في السير حتى اتي على بعض الكفر فرأى قوما من اهل الطريق مجتمعين فانضم إليهم فساروا وهو معهم حتى دخلوا دارا كانت معدة لهم ليذكروا الله فيها فلما استقر بهم المقام جييىء بالطعام كما هو العادة في الأرياف ولما كان من لوازم تلك العادة كما لا يخفى ان رب المنزل يجعل الطعام مقسما على المدعوين وكان عددهم بدون زعبل عشرين رجلا جييىء بعشرين حمامه على عددهم فقام النقيب وأعطى كل واحد حمامه حتى وصل زعبل فلم يتامل بمنه فأعطاه حمامة أيضا وما زال بدور ينهم قسم الحمام عليهم وبقي واحد من المدعوين بدون ان يأخذ شيئا فاجوا وما واضطروا وكثر اللغط بينهم فقام النقيب وصار يعدهم فرأى واحد وعشرين رجلا فتأمل فرأى زعبل فصاح هذا غريب فقام الذي لم يأخذ حمامته وتعلق بزعبل قائلا (هات خدمتي) يعني قسمه لان ارباب الطريق يدعون القسم (خدمة) واما عامة الفلاحين فأنهم يسمونه (نايب) وجمعه نوايب (هات خدمتي يا حرامي)
واذا كان زعبل في وقت اللغط اغتنم الفرصة واكل الحمامة مد يده التي كان مديدة الى جيبه واخرج له الحمامة التي كان قد صادها وقال خذ حمامتك فلما رأى القوم هذه الحالة بهتوا وللجلجت السنتهم وارتعدت فرائصهم وقاموا يطلبون منه الدعاء ويقولون (شيء الله المدد) وظنوا بل اعتقدوا انه ولي فلما راى زعبل ان الوم اعتقدوه هام (تطور) واخذ يصبح (هومم) عالما ان يحسن السبك قد ينفي الزغل
فكان السعيد فيما يظنون من تمكن من لمس ثوبه فاشتهر صيته وانصل باطراف الكفر فلم يكن الا كملح البصر حتى حضر الناس افواجا فضاقت بهم الدار فخشي صاحبها تغيير مزاج الشيخ (زعبل) فقام ودفع الناس عنه ووقف امامه واضعا يديه على صدره ثم قال وهو على غابة من الخضوع (تفضل بنا الى المحل المخصوص لحضرنك لتحصل البركة) فقام وصاحب البيت خلفه يمشي على اطراف اصابعه حتى اوصله الى ذلك المحل فاجلسه ووقف الى ان اذن له بالجلوس فجلس ثم ارسل الى الفقراء يامرهم بالذكر على مدد الشيخ وتخصيص