اختزال الكتابة العربية

الإختزال فن قديم يرجع عهده إلى الرومان. فقد زاولوا الخط المختزل في عهد شيشرون خطيبهم الشهير، وأول من كتب به نيرون الروماني. وقد عثر الدكتور أرثور هنت بمصر على ورقة من البردي (البابيرس) كتبت سنة 155 بعد الميلاد بالخط المختزل وهي عبارة عن عقد بين تلميذ ومعلم. ويستفاد من ذلك أن الإختزال كان يعلم في بلاد مصر ولكنه زال بزوال الرومان كما أن الديمطوقي أي الخط العامي المصري وهو عندهم في مقام الإختزال للخط الهيروغليفي القديم قد اندثر على مر الأيام.

وكانت أول خطوة لانتشار الكتابة المختزلة ببلاد أوربا سنة 1174 بانكلترا ثم أخذ هذا الفن يذيع بتلك البلاد ويدخل في طور الإتقان إلى أن استعمل في فرنسا وعلم في مدارسها حتى وصل بين هاتين الأمتين إلى ما نراه اليوم من الكمال والإتقان. أما في ألمانيا فلم يوجد بها من وضع طريقة للإختزال ولم يظهر أثره فيها إلا في أواخر القرن السابع عشر. ولقد عمت فائدة هذا الفن وانتشر استعماله في أغلب البلاد الأوروبية فبدئ باستعماله في البرلمان الانكليزي سنة 1780 وفي مجلس الأمة بفرنسا سنة 1790 وفي مجالس النواب الألماني سنة 1890.

وقد نشرت مجلة المقتطف في أواخر القرن الماضي مقالة في فن الإختزال ولخصت طريقة قد ابتكرها حضرة العلامة سليمان بك البستاني وهو أول من وضع أساس هذه الفكرة وقدر الفوائد التي تعود منها على البلاد العربية قدرها ولكنا نقول مع الأسف أن تلك الطريقة في بدئها لم تأت بنتيجة مرضية على الرغم من أن الإشارات التي استعملت لها كانت من أبسط العلامات الهندسية ولا شك عندنا أنه لو كان العالم البستاني بذل جهده ووجد متسعاً من الوقت كافياً لنجحت طريقته وعمت هذه البلاد. وقد جاء من بعده آخرون ووضع كل منهم طريقة للإختزال العربي ولكنها لم تف بالغرض المقصود إذ ظهر في بعضها نقص وعجز استحال معهما انتشارها.

ولما شعرت الحكومة المصرية بحاجتها إلى وضع طريقة للكتابة العربية المختزلة قصد تعليمها في مدارسها التجارية وإدخالها في مصالحها أخذت تنشط الكثيرين وتمهد لهم السبيل حتى كثرت المساعي في السنين الأخيرة واتجهت الهمم إلى وضع طرق شتى. بيد أن القائمين بهذه الفكرة لم يتوخوا استنباط طريقة اختزالية خاصة باللغة العربية بل طبقوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015