المصابين بجروح ملوثة وبتر حديث إلى الإستعانة بسبعة من الجراحين بالجيش التركي ونحو ثمانين ممرضاً من الذين قدموا من سالونيك مع الجنود.
ولم يشاهد بين الجنود مرض الكوليرا على حين كانت بينهم اصابات كثيرة بالإسهال الدموي الدسونتاري الشكل ولما كان غذاء هؤلاء بسيطاً في العادة، لم يكن هناك أدنى خطر عليهم. وكان غذاء الباخرة فوق الكفاف ولا يعدو الزبدة والشاي والقهوة والحساء والعدس والأرز والفواكه والخضروات وأحياناً قطع من اللحم والسمك.
وأما أطباء الهلال الأحمر فهم رجال قديرون بلغوا مراتبهم الطبية من مدارس القاهرة أو بروت أو باريس ولكنهم لاقوا جم الصعوبات في المحافظة على القوانين الصحية مع جماعة ليس لديهم أقل فكرة من مبادئها.
أما الباخرة فكان يعتنى بنظافتها وتطهر بعد كل نقلة تطهيراً فنياً مستجمعاً كل الشروط اللازمة وبكل اعتناء.
ولما كانت اللغة المصرية هي العربية وهذه لا يفهمها الأتراك فقد كان التخاطب بين أطباء الهلال الأحمر والجراحين والأتراك باللغة الفرنسية، حتى إذا وصلت الباخرة ثغر أزمير كان المهاجرون الجنود ينقلون إلى الشاطئ بواسطة ماعونات يجرها زورق بخاري من مصلحة المينا فكان الجنود المرضى والجرحى يرسلون إذ ذاك إلى المستشفى الحربي أو المستشفى العثماني الملكي في المدينة وأما المهاجرون فيودعون في المساجد الكثيرة العدد لتوزيعهم على المملكة يسعون وراء عمل أو مرتزق وكانت الحكومة التركية تعطي كل مهاجر في اليوم ثمانية أو عشرة سنتات وهي قيمة تكفي تقريباً قوتهم اليومي وإنا لنشكر الجالية الأوروبية بأزمير على ما قدمته من الأموال المجتمعة من التبرعات والمشروعات الخيرية لمشتري ملابس وبطاطين وسائر لوازمهم وسينقل كل المهاجرين من سالونيك إلى آسيا الصغرى. في الأستانة نحو سبعين ألفاً أعتني بهم مثل هذا الاعتناء وهؤلاء قدموا إليها من تراقيه ووزعوا في شمال الأناضول وللهلال الأحمر المصري بعثات في الأستانة مكونة من أطباء وممرضين وممرضات تعتني بالجرحى ومرضى الكوليرا اعتناءها بالمهاجرين وإن أكثر ما يفتت الفؤاد في هذه الحرب هم أولئك المهاجرون الذين سيجهل التاريخ حقيقة ما أصابهم من ويلات هذه الحرب الطاحنة.