بين ظهرانينا الآن، وبمرأى منا ومسمع، رجل من نوابغ المشرق. بل من نوابغ العالم جميعاً. وبحسبه أنه زعيم طائفة كبيرة تعد بالملايين منثورة في مصر والفرس والهند وأوربا وأمريكا وأكثر أنحاء المعمورة تقدسه تقديس الأنبياء والمرسلين. وبحسبه كذلك أن الجرائد والمجلات في أوروبا وأمريكا، بَلةَ الكتب والأسفار وقفت له صفحات تنوه به وتشرح دعوته، وتجله إجلال الأبطال. ذلكم هو مولانا عباس أفندي الملقب بعبد البهاء زعيم البهائيين، وبطل الإصلاح الديني في هذا العصر بل سيد المصلحين.
منذ ثمان سنين سمعنا بأن في القاهرة عالماً فارسياً يسمى أبا الفضل هو قبلة طلاب العلم، وكعبة يحج إليها رواد العرفان. فبحثنا عن هذا الرجل حتى اهتدينا إلى منزله فوجدنا ثمة رجلاً مخطف البدن نحولاً، رَبعه لم يبلغ قصراً ولا طولاً، كهلاً ينيف على السبعين، ولكنه كابن الثلاثين قوة ونشاطاً، وحدة وذكاء. ورأينا بين برديه روحاً لو كنا ممن يقول بتناسخ الأرواح لقلنا أن تلك روح المأسوف عليه جمال الدين الأفغاني تناجينا بين أثوابه، وتخلب عقولنا بسحر بيانه وحلو خطابه. فملك الرجل علينا أمرنا، وصار لا يحلو لنا الجلوس إلا إليه، ولا الحديث والسمر إلا معه. وكلما زدناه خلطة وامتحاناً، زادنا أدباً وعرفاناً. وفي أثناء ذلك سمعنا بالباب والبابيين والبهاء والبهائيين. ولكن لا من ناحية أبي الفضل أفندي، بل من ناحية بعض المصريين الذين رأيناهم يذكرون البهائيين على غير هدى، ويقرفونهم بم هم منه براء، شأن الحمقى الممرورين الطائري العقول الذين لا يستطيعون الصبر على البحث والاستقصاء والتنقيب. فلفتنا ذلك إلى النظر في أمر هؤلاء البهائيين من وقتئذ. ثم ضرب الدهر من ضَرَباته وسافر أبو الفضل أفندي إلى أمريكا وأخذنا نحن نفتش عن كتاب عربي تعرض للقول على البهائيين، إلى أن عثرنا بتلك النبذة الصغيرة التي كتبها البستانيون في دائرة معارفهم تحت عنوان البابية ثم بكتاب تاريخ البابية للدكتور مهدي ثم بما كتبه المستشرقون مثل العالم الإنكليزي برون في كتابه تاريخ آداب الفرس، وفي كتاب له كبير وضعه باللغة الفارسية خصيصاً بالقول على البهائيين ثم بما كتبته الصحف والمجلات الإنكليزية والأميريكية. فما ذلك إلا شغفاً بمعرفة أمرهم من مصدره الصحيح الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لأن الناس في الغالب الكثير إما مفرّط وإما مفرِط، وإما متعصب لك وإما متعصب عليك.