ثلاثة من أناس من نخبة أهالي الولايات المتحدة وبريطانيا وسائر قراء الإنكليز يعلمونه أنه قد صدئت قلوبهم من قلة الضحك وأنه ليس أحد أولى بأن يضحكهم منه حتى لأوشكت أن أحسب الأستاذ الجليل مجاناً عمومياً لا حكيماً وواعظاً وحتى هجس ببالي أنى سأراه يوماً في رداء مجان - ذلك الرداء الذي ألف من كل لون وصبغة - وأن أري برأسه الأجراس والجلاجل كلما تحرك رن وطن كأنه معمل الحديد أنا لا أمقت منكم ميلكم إلى الضحك ولا أظن عليكم بالكلمة تضحككم متى قدّر لي الله على ذلك فإما أن تطلبوا إلىّ أن لا أقول إلا ما يضحك وإلى أنفسكم ألا تفعل شيئاً غير الضحك فذاك مخالف لسنة الطبيعة وجدير بمن كان هذا شأنه أن ينقلب قرد التوه وساعته فيكون أستاذاً في فن المضحك. ولكن الإنسان حيوان ضاحك باك. وقد خلق الله الضحك والبكاء قوتين تديران مكينة الشعور في الآدمي فالضحك هو القوة الهوائية والبكاء هو القوة المائية. وقد سمعت أستاذ حديث المائدة يقول أن الهستيرية (نوبة عصبية يتردد أثناءها الإنسان بين البكاء والضحك) هي أوضح تمثيل تبين به الطبيعة سرعة تحوّل الحالتين النفسيتين - اللتين عنوان واحدتهما الضحك وعنوان ثانيتهما البكاء - كل إلى الأخرى. وهذا مالا تزال تراه في الأطفال كل ساعة. فإذا أردت أن تري كيف يكون هذا في الكبار فانظر الممثل الحاذق المستر بلاك في دور جمس رورال فإنك لن تملك البكاء لهول ذاك المنظر.
إن من البلية على الكاتب أو الشاعر أن يسترسل في باب المضحك فإنه يعوّد الناس بذلك على ألا ينتظروا منه إلا المضحك وأن لا يعرفوه إلا مزاحاً فهم يضحكون معه مادام يضحكهم فإذا أراد الجد فشرع ينطق العلم والحكمة ضحكوا منه وهزأوا به على أن هناك سبباً أغمض من ذلك. ألا تشعر أنك ترى نفسك فوق كل إنسان يتصدى لإضحاكك سواء بحركات جسده أو بحركات قلمه. ألا تشعر أنك تفيض عليه من برك وإحسانك إذ تمن عليه بتقبلك منه الوثابات الحقيقية أو الشعرية؟ فإذا لزم أدبه ووقف عند حده فخيراً يفعل وإذا أساء الأدب وتعدي طوره بأن حاول أن يعلو إلى مقامك الرفيع فينزلك عنه إلى منزلته الوضيعة عاكساً الحال قالباً الوضع ثم أخذ يدلى إليك من منبر عظته نوابغ الحكم فبئس ما صنع وساء ما أتى وإنما جاء ما لم يكن في الحساب ولا جرى بخاطر.
لذلك أنصح لكل ذي يراع أن يدخر مجونه إلى أن ينال في العلم والحكمة رتبة وإلى كل