بهم ورفق فبكوا رحمة له من مرضه وذكروا له ما أحدث ابنه عليهم وطلبوا أن يستعمل ابنه أحمد المعروف بالأكحل ففعل ذلك وخاف يوسف على ابنه جعفر منهم فسيره في مركب إلى مصر وسار أبوه يوسف بعده ومعهما من الأموال ستمائة ألف دينار وسبعون ألفاً وكان ليوسف من الدواب ثلاثة آلاف حجرة (لعلها حجرا قال في اللسان الحجر بدون هاء الفرس الأنثى خاصة جعلوها كالمحرمة الرحم إلا على حصان كريم وإنما كانت بدون هاء لأنه اسم لا يشركها فيه المذكر) سوى البغال وغيرها ومات بمصر وليس له إلا دابة واحدة ولما ولى الأكحل أخذ أمره بالحزم والاجتهاد وجمع المقاتلة وبث سراياه في بلاد الكفرة وجنوب إيطاليا فكانوا يغنمون ويسبون وأطاعه جميع قلاع صقلية التي للمسلمين وكان للأكحل ابن اسمه جعفر كان يستنيبه إذا سافر فخالف سيرة أبيه ثم إن الأكحل جمع أهل صقلية وقال أحب أن أشليكم على الأفريقيين وأهجم بكم عليهم لطردهم (يقال شل الإبل يشلها فانشلت طردها ومن المجاز يشل الصبح الظلام) فقد شاركوكم في بلادكم والرأي أخراجهم فقالوا صاهرناهم وصرنا شيئاً واحداً فصرفهم ثم أرسل إلى الأفريقيين فقال لهم مثل ذلك فأجابوه إلى ما أراد فجمعهم حوله فكان يحمي أملاكهم ويأخذ الخراج من أملاك أهل صقلية فسار من أهل صقلية جماعة إلى المعز بن باديس وشكوا إليه ما حل بهم وقالوا نحب أن نكون في طاعتك وإلا سلمنا البلاد إلى الروم وذلك سنة سبع وعشرين وأربعمائة فسير معهم ولده عبد الله في عسكر فدخل المدينة (بلرم) وحصر الأكحل في الخالصة (أنظر الرسالة الأولى من حضارة العرب في الأندلس) ثم اختلف أهل صقلية وأراد بعضهم نصرة الأكحل فقتله الذين أحضروا عبد الله بن المعز ثم إن الصقليين رجع بعضهم على بعض وقالوا أدخلتم غيركم عليكم والله لا كانت عاقبة أمركم فيه إلى خير فعزموا على حرب عسكر المعز فاجتمعوا وزحفوا إليهم فاقتتلوا فانهزم عسكر المعز وقتل منهم ثمانمائة رجل ورجعوا في المراكب إلى أفريقية وولي أهل الجزيرة عليهم حسنا الصمصام أخا الأكحل فاضطربت أحوالهم واستولى الأراذل وانفرد كل أنسان ببلد وأخرجوا الصمصام (حسبهم الله) فانفرد القائد عبد الله بن منكوت بمأزر وطرابنش وغيرهما وانفرد القائد علي بن نعمة المعروف بابن الحواس بقصريانة وجرجنت وغيرهما وانفرد ابن الثمنة بمدينة سرقوسة وقطانية وتزوج باخت ابن الحواس ثم إنه جرى بينها