وأحد واثنين ولكل يوم حوادثه ومميزاته وهي بعد كلها أيام، والشعراء هومر وفرجيل وشكسبير وابن الرومي والمتنبي ولكل صفته التي تميز بها وهم بعد كلهم شعراء وكلهم هومر وكلهم شكسبير وكلهم ابن الرومي.

وبعد فأنا كما يعلم القارئ مما أسلفنا عليه القول في صدر كلامنا على البطولة لا نرى رأي كارليل الذي بسطه في كتاب الأبطال وعبادة البطولة حيث يقول هذه حقائق كان الأقدمون أسرع إلى إدراكها منا نحن. . . . . . . . كانوا بدلاً من اللغو واللغط في شأن الكائنات ينظرون إليها وجهاً لوجه والروع والإجلال حشو قلوبهم أولئك كانوا أفهم لآيات الله في كونه وأدرك لسر الله في عبيده - كانوا يعرفون كيف يعبدون الطبيعة وأحسن من ذلك كيف يعبدون الإنسان!.

بيد أننا لم نذهب إلى أن الأقدمين كانوا أضعف منا إدراكاً للعظمة والبطولة ولا أقل فطنة لمعانيهما ولا أبطأ حساً، وإنما قلنا إنا أحسن تقديراً لهذه المعاني منهم، وأقل غلواً وأدق استشفافاً لها واستبطاناً لكنهها وهذا مالا ينكره علينا كارليل في كتابه الذي أشرنا إليه، فإن الناظر في كتاب الأبطال يعرف من تبويبه وتنسيق فصوله كيف تطور معنى البطولة كما تطور كل شيء في العالم، وكيف أن الإنسان كان في بادئ الأمر يعبد الأبطال ثم عرف أن الألوهية ليست للإنسان، وهنا مسألة عجيبة الأمر لطيفة المأخذ وهي أن الأنبياء هم أول من صرف الناس عن عبادة الناس وصححوا أخطأهم في ذلك وكسروا من غلوائهم وأقاموهم على طريقة هي لا ريب أمثل وأفضل، ثم أدرك الناس بعد ذلك أن البطولة ليست قاصرة على الأنبياء وأنهم لم يختصوا بها وحدهم دون غيرهم وأنه رب قسيس كلوثر هو في المنزلة الأولى بين الأبطال ثم فطنوا إلى أن الأنبياء والقساوسة ليسوا كل العظماء وأن الشاعر عظيم والفيلسوف عظيم والملك عظيم، فهل يدعي بعد ذلك أحد أنّا اليوم لسنا أوسع من الأقدمين مجال فكر وأبعد مرمى نظر وأننا لسنا أفطن للعظمة في جميع مظاهرها؟ ثم ألست ترى كيف أن الأقدمين كانوا يتوجهون إلى العظماء بقلوبهم دون عقولهم وإنّا نتوجه إليهم بقلوبنا وعقولنا معاً!

وبعد فإن مجال الكلام ذو سعة، ونحن نخشى أن يطول عنان القول ويمتد بنا نفس الكلام فنخرج عما قصدنا إليه ولحسبنا هذه المقدمة الوجيزة. وإن كنا لم نستوعب فيها أطراف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015