لأمقت كل من يرمي محمداً بمثل هذه الأكاذيب وما كان ذو نظر صادق ليرى قط في القرآن مثل ذلك الرأي الباطل والقرآن لو تبصرون ما هو إلا جمرات ذاكيات قذفت بها نفس رجل كبير النفس بعد أن أوقدتها الأفكار الطوال في الخلوات الصامتات وكانت الخواطر تتراكم عليه بأسرع من لمح البصر وتتزاحم في صدره حتى لا تكاد تجد مخرجاً وقل ما نطق به في جانب ما كان يجيش بنفسه العظيمة القوية هذا وقد كان تدفع الوقائع وتدفق الخطوب يعجله عن روية القول وتنميق الكلم ويا لها من خطوب كانت تطيح به وتطير فلقد كان في هذه السنين الثلاث العشرين قطباً لرحى حوادث متلاطمات متصادمات وعالم كله هرج ومرج وفتن ومحن - حروب مع قريش والكفار ومخاصمات بين أصحابه وهياج نفسه وثورانها - كل ذلك جعله في نصب دائم وعناء مستمر فلم تذق نفسه الراحة بعد قيامه بالرسالة قط وقد أتخيل روح محمد الحادة النارية وهي تتململ طول الليل الساهر يطفو بها الوجد ويرسب وتدور بها دوامات الفكر حتى إذا أسفرت لها بارقة رأى حسبته نوراً هبط عليها من السماء وكل عزم مقدس يهم به يخاله جبريل ووحيه أيزعم الأفاكون الجهلة أنه مشعوذ ومحتال كلا ثم كلا! ما كان قط ذلك القلب المحتدم الجائش كأنه تنور فكر يفور ويتأجج ليكون قلب محتال ومشعوذ لقد كانت حياته في نظره حقاً وهذا الكون حقيقة رائعة كبيرة.

والإخلاص المحض الصراح يظهر لي أنه فضيلة القرآن التي حببته إلى العربي المتوحش وهي أول فضائل الكتاب أياً كان وآخرها وهي منشأ فضائل غيرها بل لاشيء غيرها يمكنه أن يبعث للكتاب فضائل أخرى ومن العجب أن نرى في القرآن عرقاً من الشعر يجري فيه من بدايته إلى نهايته ثم يتخلله نظرات نافذات - نظرات نبي وحكيم أجل لقد كان لمحمد في شؤون الحياة عين بصيرة ثم له قدرة عظيمة على أن يوقع في أذهاننا كل ما أبصره ذهنه أنا لا أحفل كثيراً بما جاء في القرآن من الصلوات والتحميد والتمجيد لأني أرى لها في الإنجيل شبيهاً ولكني شديد الإعجاب بالنظر الذي ينفذ إلى أسرار الأمور فهذا أعظم ما يلذني ويعجبني وهو ما أجده في القرآن وذلك كما قلت فضل الله يؤتيه من يشاء.

وكان محمد إذا سئل أن يأتي بمعجزة قال حسبكم بالكون معجزة انظروا إلى هذه الأرض التي خلق الله لكم ونهج لكم فيها سبلاً تسعون في مناكبها وتأكلون من رزقه وهذا السحاب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015