قال: نتمشى قليلاً حول هذه الحدائق ثم نعود. قال إذن أدع الآنسة في صيانتك ريثما أذهب إلى هذه القهوة ثم ألحق بكما بعد ذلك. قال مع السلامة!

وكذلك تصنع الدنانير والدراهم. فإنها - بارك الله لي فيها - قد سكها الناس ليجعلوها ثمناً لما تتداوله أيديهم من متاع الدنيا. فما زلت بهم حتى اشتروا بها المحاسن والمواهب، والأعراض والمذاهب. بل حتى لقد جعلتها في أيدي بعض الناس ثمناً للفردوس وبراءة من النار.

فما شعر الزنجي بالدينار في كفه حتى رأيته كأنما قد انعكس بريقه على وجهه، واعتدل ما التوى من خراطيمه. ثم تذكر موائد القمار وقد ودعها منذ سنين، فحن إليها وذهب يمتع نفسه باللعب، وهو حظ الخصيان من الدنيا ولذتهم فيها، بعد الطعام والشراب.

أما أنا فقد استدرجت الفتى والفتاة إلى حيث اختليا في بعض تلك الأماكن المنزوية عن الأنظار. . . ثم مضيت في سبيلي.

عادت مريم وهي لا تطيق الصبر يوماً عن عين شمس. ولذت رنات الذهب والفضة للخصى فأصبح يشتاق تلك النغمة كل أصيل. فإذا تأخرت آنسته عن الموعد قليلاً صعد إليها مستعجلاً. حتى خامر الشك قلب الأم.

فأبت عليها الخروج يوماً وما نعتها يوماً ثانياً وأغلظت لها يوماً ثالثاً. ولكنها انتظرت في اليوم الرابع على مضض، وألظ بها القلق فلبثت تتحرق حيرة وشوقاً. إلى أن حان موعد العصر فعزمت على موافاة عاشقها - سمحت أمها أم لم تسمح - فبينما هي تتهيأ للخروج قابلتها أمها فاستغربت منها هذه الجرأة. وقالت إلى أين يا مريم؟؟

قالت: إلى عين شمس!!

قالت: ألست تعلمين أنني أخاف عليك من هذه المدينة المشؤمة؟؟

قالت: أما أنا فأعلم أنه لا خوف عليَّ منها. . .

قالت: حسناً ولكنني لا أريد أن تذهبي إليها

قالت: ولكنني أريد ذلك. . . ألست حرة فيما أريد؟؟

هذه هي الكلمة الجديدة التي تعلمتها الفتاة. وكانت تعرفها من قبل، ولكن كلمة الحرية لم تكن تؤدي في قاموس الطفولة معنى عقوق الأم الرؤم، وإيلام ذلك الحنان الطاهر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015