رجلاً كل من قبيلة أتمروا به ليقتلوه وألغى المقام بمكة مستحيلاً هاجر إلى يثرب حيث التف به الأنصار والبلدة تسمى الآن المدينة أي مدينة النبي وهي من مكة على مائتي ميل تقوم وسط صخور وقفار ومن هذه الهجرة يبتديء التاريخ في المشرق والسنة الأولى من الهجرة توافق 622 ميلادية وهي السنة الخامسة والخمسون من عمر محمد فترون أنه كان قد أصبح إذ ذاك شيخاً كبيراً وكان أصحابه يموتون واحداً بعد واحد ويخلون أمامه مسلكاً وعراً وسبيلاً قفراً وخطة نكراء موحشة فإذا هو لم يجد من ذات نفسه مشجعاً ومحركاً ويفجر بعزمه ينبوع أمل بين جنبيه فهيهات أن يجد بارقات الأمل فيما يحدق به من عوابس الخطوب ويحيط به من كالحات المحن والملمات وهكذا شأن كل إنسان في مثل هذه الأحوال وكانت نية محمد حتى الآن أن ينشر دينه بالحكمة والموعظة الحسنة فقط فلما وجد أن القوم الظالمين لم يكتفوا برفض رسالته السماوية وعدم الإصغاء إلى صوت ضميره وصيحة لبه حتى أرادوا أن يسكتوه فلا ينطق بالرسالة - عزم ابن الصحراء على أن يدافع عن نفسه دفاع رجل ثم دفاع عربي ولسان حاله يقول وأما وقد أبت قريش إلا الحرب فلينظروا أي فتيان هيجاء نحن! وحقاً رأى فإن أولئك القوم أغلقوا آذانهم عن كلمة الحق وشريعة الصدق وأبوا إلا تمادياً في ضلالهم يستبيحون الحريم ويهتكون الحرمات ويسلبون وينهبون ويقتلون النفس التي حرم الله قتلها ويأتون كل إثم ومنكر وقد جاءهم محمد من طريق الرفق والاناة فأبوا إلا عتوا وطغيانا فليجعل الأمر إذن إلى الحسام المهند والوشيج المقوم والى كل مسرودة حصداء وسابحة جرداء! وكذلك قضى محمد بقية عمره وهي عشر سنين أخرى في حرب وجهاد لم يسترح غمضة عين ولا مدر فواق وكانت النتيجة ما تعلمون!

ولقد قيل كثيراً في شأن نشر محمد دينه بالسيف فإذا جعل الناس ذلك دليلاً على كذبه فشد ما أخطأوا وجاروا فهم يقولون ما كان الدين لينتشر لولا السيف ولكن ما هو الذي أوجد السيف؟ هو قوة ذلك الدين وإنه حق والرأي الجديد أول ما ينشأ يكون في رأس رجل واحد فالذي يعتقده هو فرد - فرد ضد العالم أجمع فإذا تناول هذا الفرد سيفاً وقام في وجه الدنيا فقلما والله يضيع وأرى على العموم أن الحق ينشر نفسه بأية طريقة حسبما تقتضيه الحال أو لم تروا أن النصرانية كانت لا تأنف أن نستخدم السيف أحياناً وحسبكم ما فعل شارلمان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015