الكفتين جرماً وأكبرهما حجماً. وليس هذا من العدل في شيء ولكنه تنازع اصطناعي لا عمل للطبيعة فيه إلا من بعض جهاته.

ولكن هناك نفراً من الفلاسفة ملكته الرأفة بهذا النوع المسكين.

فأشفقوا أن يربو عدده وينمو نسله. فتضيق به وسائل الرزق ويفضي به الضيق إلى الموت جوعاً. فهم لا يرون في الحرب بأساً. بل هي في مذهبهم لازمة لتقليم النوع أولاً فأولاً. وهم يرحبون بكل ما ينقص هذا النوع ويقلل ذريته. ولا أدري لم لا يرحبون بالأوبئة والطواعين؟؟ ومالهم لا يجذمون أيدي الأطباء الخبثاء الذين ينقذون الناس من الهلاك. كان هؤلاء الأطباء يتركونهم ليموتوا صبراً يوم تعم المجاعة ويبعد الزاد من هذه الدار؟؟!!

بل لقد تمادت الرحمة بهؤلاء الفلاسفة الأبرار. فأشار فريق منهم بخصاء الذكران من العالمين. وأشار فريق سواد بقتل الضعفاء. وقال فريق ثالث بل نوصيهم بالاقتصاد في النسل ونعين لكل عائلة عدداً من الأولاد لا تتجاوزه. إلى آخر ما قالوا.

ظهر مالثوس صاحب هذا المذهب في القرن الثامن عشر فطفق يجمع ويطرح.

ويضرب ويقسم. ويحسب نتاج الأرض في الأجيال المقبلة كأنه خازن أرزاق الله.

ويحصي ما تحمله بطون الغيب من الأجنة. كأنه كاتب عالم الذر. فهداه حسابه إلى أن النسل يتضاعف كل خمس وعشرين سنة. وأن ثروة الأرض لا تزيد في هذه المدة إلا مرة واحدة. أي أنها تنمو على نسبة حسابية مطردة. فظهر له من هذا الإحصاء أن نسبة السكان إلى الثروة ستكون بعد ثلاثة قرون كنسبة 4096 إلى13. فأنذر بالويل والخراب. وصاح بالناس لا تناكحوا ولا تناسلوا إلا بحساب. ولقد مضى نصف هذه القرون الثلاثة تقريباً. ولم تجذب الأرض ولا ضاقت بساكنيها. ونحن نورد هنا ما قاله هنري جورج في كتابه التقدم والفقر رداً على رأي مالثوس هذا. قال:

إذا أردنا أن نتخذ لنا مثالاً من أسرة متوفرة لديها أسباب البقاء والجاه. وقد عبرت أمداً مديداً في بلد لا تتغير فيه أحوال الاقتصاد ولا تطرأ على بيئته الانقلابات. فعلينا أن نرجع إلى الصين

لا تزال أسرة كنفشيوس في تلك البلاد باقية تتمتع بالرعاية ومزايا الراحة والبقاء. وليس في الصين وراثة شرف في غير هذه الأسرة. فإذا سلمنا بحساب مالثوس وجب أن يكون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015