(فإن ذاك ابتسام الرأي والأدب)
فإن الصلة التي بين المشيب والابتسام ولا سيما ابتسام الرأي والأدب صلة توهم ليس لها وجود ولكن هذا التوهم الحميد على أن الشاعر قد يجيء به غثاً إذا لم يكن له غير المغالاة حيلة وأحسن هذا التوهم أقربه إلى التخيل الصريح وأقبحه أقربه إلى أحلام المحموم وقد حببه إلى الشعراء مجاراتهم ذوق العامة في المغالاة فإن العامة لا تميز بين المغالاة التي تجوز والمغالاة التي لا تجوز.
قد يكون في الخيال كلفة كما يكون في التعبير صنعة وإنما تكلف الخيال أن تجيء به كأنه السراب الخادع فهو صادق إذا نظرت إليه من بعيد وهو كاذب إذا قاربته غير أنه يشابه الخيال الصحيح الخيال السقيم إذا كان وجه التأليف بين الأشياء في الخيال الصحيح بعيداً ولكن بعد وجه التأليف وخفاء الصلة ليس بمعيب إذا كان وجه التأليف صحيحاً وكانت الصلة متينة فإن ظهور الصلة لكل قارئ ليس دليلاً على متانتها فقد تكون الصلة ظاهرة ضعيفة وقد تكون غامضة سليمة وهذا سبب من أسباب اشتباه العظيم من الشعراء بالضئيل والعبقري بالمقلد فإن المتنبي أو شكسبير قد يولع باستخراج الصلة المتينة الغامضة التي بين شيئين يخال القارئ أن ليس بينهما صلة ولكن هذا المذهب غير مذهب الناظم الذي يولع بأن يوجد صلة سقيمة بين شيئين ليس بينهما صلة أو باستخراج صلة ضعيفة بين شيئين. أن ولوع الشاعر باستخراج الصلات المتينة الغامضة التي بين الأشياء دليل على أنه حر الذهن ولكن الشعراء المولعين بذلك غرض لسهام ذوي الأذهان المغلقة ونصب رميات أهل الغبارة ولكني لا أنكر أن الشاعر المولع بذلك قد يسلمه ولعه به إلى المغالاة المقبوحة واستخراج صلات التوهم وأبو تمام والمتنبي والمعري من هؤلاء الشعراء على أن العبقري يعرف بسيئاته أنه عبقري كما يعرف بحسناته لأن أكثر سيئاته أنه واسع الخيال كما أن أكثر حسناته سببها تلك السمعة.
2
الجاحظ والصابي
الفرق بين أسلوب الجاحظ وابن المقفع وأسلوب الصابي وابن العميد أو الأولين يسلكان من سبل التفهيم والإيضاح أقصرها وأما الصابي وابن العميد فقد كانا من كتاب الدولة وأرباب