هو كما قلت رجل أعمى التعصب أحمق الاستبداد يأبى إلا أن ينفذ قواعده المدرسية على نفوس الأمة - قائلاً للشعب تنفيذ قواعدي قبل كل شيء! له الله من مستبد أحمق. أبى إلا أن يجعل عالم الله الطويل العريض مدرسة ويأبى الله أن تكون دنياه مدرسة. وبعد فيغفر الله له أفلا ترون أنه لقي من العقاب مت هو أهله؟

(وبعد) فالحرص على الرسوم والأوضاع حميد مستحب. إذ أنه من شأن الديانات وغيرها أن تلبس الرسوم والأشكال. ولا مقام للإنسان قط إلا في الأمكنة ذات الرسوم والأوضاع. ولست أحمد في المذهب الخارجي (البيوريتاني) عريه من الأثواب والصور والقوالب وخلوه من الرسوم والأوضاع. بل أعيب ذلك عليه وأراه عورة أحق بالرحمة والأسف - فأما الذي أحمده منه فهو روحه ولبابه. وكل لباب وجوهر فلا بد أنه يلبس زياً ويسكن رسماً وقالباً غير أن من الرسوم ما هو ملائم صالح ومنها ما هو غير صالح ولا ملائم. والحد الفاصل بين هذا وهذاك هو أن القالب الذي ينمو وحده حول الجوهر بقوة الطبيعة يجيء ملائماً لطبع الجوهر موافقاً لغرضه وغايته فهو لذلك حسن صالح. وأما القالب الذي تجعله يد الإنسان حول الجوهر عمداً فهو قبيح فاسد. وأني لأنشدكم الله أن تتأملوا ذلك وتنعموا فيه النظر. فإنه الفارق ما بين كاذب الرسوم وصادقها - بين الإخلاص المحض وبين المظهر الباطل في جميع الأمور والأشياء.

نعم يجب أن يكون في الرسوم عنصر صدق وباعث شديد من الحق وسأضرب لكم مثلاً الخطابة. فماذا تقولون أعزكم الله في الخطيب الذي يهيئ الخطبة من قبل إلا أنه سوأة وآفة؟ ثم ماذا تقولون في الرجل المتصنع الابتسام المتكلف الانحناء للضيوف والزوار إل أنه آفة كذلك سوأة؟ وإذا كنتم تعدان مثل هذين عورة وبلية فما قولكم في رجل يأتيك في أمر من أجسم أمورك في أمر الدين والعبادة مثلاً - يأتيك وقد غمر جلال الدين روحك وحير لبك وألجم لسانك فأنت مطرق حائر ساكت من شدة الانفعال والوجد وفرط التأثر والطرب مفضل السكوت على الكلام وأجدا لسان الصمت أفصح وأعرب بما يكنه صدرك ويضمره حشاك من ذلك الوجدان العظيم والشعور الجسيم - يأتيك وأنت في هذه الحال الشديدة فيتعرض لأن يعرب عن مكنون وجدانك بكلام كاذب باطل - ماذا تقول لمثل هذا الرجل وماذا عندك له إلا الطرد والإبعاد - لا أبعد الله غيره! بلى ليذهب ذلك الرجل عنك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015