وقيمة الرأي الوضعي تتوقف على كفايته للتعليل عن كل ظاهر الأمر الطبيعي تحت الفحص. فإن قام رأي يعلل ذلك عول عليه إلى أن يظهر فساده أو يقوم رأي أكمل منه، أو مثبت بالبرهان القاطع، فيؤخذ به ويهمل الأول فالتمسك برأي محتمل يعين على التعليل أفضل من عدمه، لأنه يدل على طريق الحقيقة بقدر الإمكان وقد يكون مديناً لظهورها.

مثال ذلك: أنه منذ 17 سنة كان الماء معدوداً عنصراً بسيطاً، كما أن الزئبق معدود اليوم بسيطاً. أما اليوم فقد عرف أن الماء مركب من عنصرين، وهما الأكسجين والهيدروجين، وأن هذين الغازين قد اتحدا بدرجة عظيمة من الضغط والبرودة حتى صار مزيجهما مائعاً. وكل من هذين العنصرين مركب من جواهر كجوهر الزئبق لا تتجزأ إلى أبسط منها.

ولا يبعد في المستقبل أن يحل الزئبق ممتحن بحاثة فيظهر فساد هذا الرأي الوضعي ويحل الزئبق إلى عناصر أبسط. وهذا هو الفرق بين الرأي والحقيقة. وعليه فالحقيقة ضالة العاقل ينشدها أنى كانت.

الطبيعة والخالق

يميل العقل البشري إلى الوقوف على بعض الآراء في أصل العالمين. وهذا ظاهر من أن لكل أمة على وجه الأرض رأياً في أصل هذا العالم وعلة كونه وأسلوب تكوينه.

فلقدماء الفرس والهنود والمصريين والصينيين في آراء شتى يرمون بها إلى اكتشاف ذلك السر العظيم وأكثرها على غاية الغرابة.

أما اليونان فقال فريق منهم أن ليس في الوجود سوى الجواهر الفردة والفضاء الفارغ. ولكن عجز ديموقراطيس ولكريشوس عن إثبات صحة ذلك بالحجة القاطعة والبرهان الدامغ. ونشأت أفكار كثيرة عن البيضة الأولى. ولكننا نتعجب ممن لا يسلم بأن تلك البيضة صنع خالق قدير حكيم أزلي سرمدي.

حكي أن أمير أهدى إلى خطيبته بيضة كبيرة من الحديد فنظرت إليها بازدراء ودفعتها على الأرض فانفتحت عن آح من الفضة ومح من الذهب وفي المح تاج ذهب وخاتم ماس. وما هذه بالنسبة إلى تلك البيضة العظيمة التي بعض ما فيها نجوم السماء التي لا تحصى وكل أحياء الكون وجواهره!!

وهنا نستميح القارئ في بسط حديث مختصر بين مناظرين أحدهما مؤمن والآخر لا أدري

طور بواسطة نورين ميديا © 2015