سيخدعون الناس عن حقائقهم فيوهمونهم أنهم المشرقون الييرون - وأنهم للمضلمون المعتمون. أجل إنا لا ننسى ما قد تسفل إليه أولئك الأصفار من حقائر الأغراض يوم كانوا مع سعد اثقالا على عنقه وأعباء على عاتقه وأغلالا وآفات ومصائب وهم يوهمون الناس أنهم أنصاره وأعوانه. وإخوانه وخلانه.
ولكن البطل سعدا لا يحفل بأولئك الأصفار فإنهم كالأصفار عن شمال كميته الإيجابية لا قيمة لهم معه ولا يحدثون في مقداره الهائل العديم الحد زيادة ولا نقصانا وإن كنت شخصيا أميل إلى الاعتقاد بأنه بعد انفصالهم عنه قد صار أعظم وأكبر. وأصبحت كميته أوفر وأكثر.
ومن كان يحسب أن خبائث أولئك الغادرين وسخائف غيرهم من الخونة المارقين وعواء سواهم من الحمقى المأفونين تثير غضبة سعد أوتكدر صفاءه فلينفينا هذا الوهم من خاطره وليعلمن أن بطولة سعد تأبى عليه أن يقابل هذه الحماقات والسخافات وهذه النذالة والسفالة إلا بمنتهى الاستخفاف والهزء والضحك. وقد ما كان الضحك والميل إلى المزاح والمعابثة من أروع سجايا البطولة. ومازالت صحف التاريخ تعرض عليك الأبطال في ساعة الروع وأزمة الهول والبلاء أشرح ما يكونون صدرا. وأرخى بالا وأبسم ثغرا. والأدلة التاريخية على ذلك أكثر من أن تحصى. نورد لك من بينها موقف سقراط ساعة إعدامه وأمازيح سير توماس مور وهوعلى المشنقة. وقول حلحلة الفزاري وسعيد بن أبان الفزاري. فإن عهد الملك بن مروان لما أحضرهما ليقيد منهما قال لحلحلة (صبرا) فقال حلحلة أي والله.
أصبر من ذي ضاغط عركرك ... ألقى بواني صدره للمبرك
ثم التفت للجلاد (وكان صاحب الثار) فقال له أحد الضرب فإني والله ضربت أباك ضرب أسلحته فعددت النجوم في سلحته. ثم نظر عبد الملك إلى سعيد بن أبان فقال له (صبرا سعيد) فقال إي والله.
اصبر من عود بجنبيه الجلب ... قد أثر البطان فيه والحقب
ونذكر أيضاً من هذا القبيل قول وكيع بن أبي الأسود فإنه لما يأس منه خرج الطبيب من عنده فقال لابنه محمد إنه لا يصلى الظهر فقال له أبوه ما قال المعلوج فقال وعد أنك تبرأ فقال وكيع أسألك بحقي عليك إلا ما خبرتني بالحقيقة. فقال ذكر أنك لا تصلى الظهر قال