يكون مقروناً باللذة والمتاع - وليس الا معه تكون شهوة الحياة وتوقد جمرتهما ولآلاء بهجتها. وتدفق موجها. وتدفع لجها. وهنا الأهمية والخطورة والقيمة والنفاسة.

ولقد أوضح الكاتب الشهير روبرت لويز ستيفنسون هذا المعنى بأبدع مثل وأروعه في مقالة أعتقد حقاً أنها جديرة بالخلود جزالة معنى وسداد حكمة ورشاقة معرض وحسن سلوك قال هذا الكاتب البديع:

في نهاية شهر سبتمبر حينما يدنو ميعاد عودة الطلبة إلى المدارس ويأخذ الليل في اشتداد الحلك كنا نخرج من بيوتنا ليلاً حاملين تلك المصابيح الصفيحية المسماة (عين الثور) - وكانت هذه المصابيح من الشيوع والاشتهار بحيث أصبحت من أهم متاجر الجزائر البريطانية. ففي ذلك الأوان كانت حوانيت التجار تعرض في نوافذها تلك المصابيح. فكنا نشتريها ونشدها في وسطنا معقودة في مناطقنا فكانت تفوح منها رائحة الصفيح المحرق. وكان ينبعث لها لهب لا يصلح لإضاءة وأنما يصلح لإحراق أصابعنا.

وكان لا فائدة له وكانت لذتها خيالية فقط. غير أن الغلام الذي يحمل مثل هذا المصباح كان يحسب أنه ملك الدنيا بحذافيرها. فليس وراء ما قد بلغه غاية. وكأننا في هذا كنا ننتظر من طرف خفي إلى عادة الأجيال الغابرة وإلى ما كنا نقرؤه في الأقاصيص عن تلك العصور العجيبة - ولكن مهما يكن من مصدر هذه الفكرة فلقد كان متاعها عظيماً. وكان المصباح الصفيحي عين الثور أقصى أماني الغلام وغاية مأمولة.

وألذ ما في هذه اللذة أن الغلام كان إذا ركب المصباح في منطقته زر فوقه معطفه (البلطو) فخبأه تحته وحجب سناه وكتم شعاعه ثم انطلق في سبيله في الظلام الدامس فإذا التقى اثنان من أولئك الغلمان نادى الواحد الآخر أمعك مصباحك فيجيب الثاني أجل وفيها الكفاية. وذلك أنه لما كانت القاعدة في هذا الشأن أن يحجب الغلام نوره الباهر. وكوكبه الزاهر. كان لا يمكنك أن تعرف حامل المصباح إلا برائحته فكأنه في ذلك قطة الزبد لا تعرف إلا بعبق رياها. وأرج شذاها. فكان الغلام يعتسف الدجى مزرور الساء. مضموم الرداء. لا يتسرب شعاع من سناه. ولا يفلت بريق من ضياه ولا يتسلل من نوره الوهاج أدنى بصيص يسدد خطاه. ويضيء مراه. - فكأنه وسط الظلام عمود من الظلام. فاللذة كلها والطرب والنعيم في هذا وفي اعتقادك في أعماق ذهنك الأبله المعتوه أنك تحمل تحت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015