وكارهي الإنسانية. فإن المبغض الحقيقي للبشرية إنما تعثر عليه في مزدحم المجتمعات والمجالس لا في مجاهل الأرض وفلواتها. لأنه ليس هي الفلسفة والتفكير بل التجاريب والمشاهدات التي تولد في قلب الإنسان بغض البشر وكراهة النوع الإنساني - ذلك وأن ما من إنسان كاره لأخيه الإنسان انصرف إلى الوحشة والعزلة والانفراد إلا خبت في قلبه شعلة ذلك البغض وانطفأت تلك الحفيظة.
- 11 -
قد مرت بالإنسانية عصور لم تحدث أثراً في عالم الفنون والآداب بل ولا في غيره من عوالم التهذيب والعرفان ولكنها كانت مع ذلك سبباً في إشعال نار الثورة في كل شيء في العصور التي تلتها.
- 12 -
إن النوابغ وأصحاب العقول الكبيرة قد يصبحون على مر الزمن غير مهتمين ولا مكترثين بالشهرة والمديح والهتاف الذي يعلو من أجلهم. ولكنهم لن يغضوا الطرف أبداً عن النقد والطعن الذي يوجه إليهم. فالحقيقة أن كل الإجلال والإعظام والثناء الذي يظفر به أولئك العظماء لا يجزيهم شيئاً عن الألم الشديد الذي يحسونه من نقد قارص أو كلمة واحدة لاذعة ربما رصدت من إنسان لا يقام له وزن ولا رأي. وعلى العكس من ذلك ترى الرجال المغمورين والخاملين الذين ألفوا النقد وعدم الاكتراث لا يتألمون ولا يتعذبون، وتراهم فرحين مبتهجين بالثناء الذي لم يألفوه إذا جادت عليه الأيام بشيء منه.
- 13 -
ليس الموت شراً لأنه ينقذ الإنسان من كل الشرور. وإن في الحرمان بعده من تناعم الحياة ولذائذها لاطفاء لرغباتنا إليها. ولكن الشيخوخة هي الشر المحض إنها بينما تحرم الإنسان من لذاته لا تطفئ رغباته، وتورثه الآلام والأحزان. لكن الناس يخشون الموت ويطلبون الشيخوخة.