تحادثت غير مرة مع مساعدة الأستاذ بوكروفسكي ذلكم المؤرخ الكبير فعلمت علم اليقين أن البلشفيك على بينة تامة من جسامة مسألة التعليم الروسي وضرورتها لدعوتهم وأنظمتهم وحياتهم وعلمت أنهم طرحوها على بساط واسع من البحث والفحص بكيفية تدعو إلى الدهشة والاستغراب. وضالتهم في ذلك هي أن يمحو الجهالة من عقول الفلاحين، وأن ينشروا المدارس في جميع القرى والأرياف، وأن يعدوا الفصول ويضعوا البرامج الخاصة للتعليم الصناعي والفنى الترفيه حال العمال، وأن يؤسسوا جامعة أهلية تقوم بما تقصر عنه تلك المعاهد المتقدمة من تهذيب الفنون الجميلة كالتمثيل والغناء والتصوير. وجملة القول أنك إن رأيت النهضة قائمة في روسيا الآن فثم تياراً هائلاً من الرغبات يدفع القوم إلى إصلاح التعليم من وجوهه جمعاء، وأن هذه الحركة المباركة لو تعهدوها باعتناء وحنكة لأخرجت جني يانعاً طيباً لروسيا بل وللعالم قاطبة. ولقد ينال منك العجب إذا أنت علمت أن الفكرة السائدة هنالك أن جهل وطني واحد وهو خطر على الأمة، وأن من

أول واجبات الحكومة أن تساعده حتى تزول جهالته.

ولقد كنت عام 1911 في موسكو أزور المدارس وأنتقد حال التعليم، فرأيت جماعة من المصلحين نشطوا لترفيه حال تلاميذ مدارس القرى بإمدادهم بكتب المطالعة القيمة السهلة المأخذ الأكيدة الفائدة. ومساعدتهم على تعليم الحساب والرياضة، كل ذلك على نفقة الجماعة لا يكلف الحكومة فتيلاً، غير أنهم ما عتموا أن اضطهدوا وصودرت تآليفهم وأصبحوا عرضة لكل مهانة واحتقار وهدفاً لجميع أنواع التشهير والقذف سراً وعلانية. ثم هبت فئة أخرى تريد إنشاء ناد ودار كتب يأتي إليهما معلموا مدارس القرى في أيام العطلة وأوقات الفراغ لتبادل الآراء وتصفح الأسفار واكتساب المعلومات ولكنها كانت في كفاح ونضال مع الحكومة التي لم تأل جهداً في عرقلتها. ولكن ما هي إلا الفترة بين سنة 1911 و 1919 حتى جاءت البلشفية تحمل كل خير وفخار.

سخاء الحكومة

تبرع الناس بالأموال عن طيبة خاطر فجمعوا في مدى ستة أشهر مبالغ باهظة ومقادير جساماً. وأول خطوة عملية كانت في سبيل تعميم التعليم في القرى وكان الرائد فيها الفكر الناضج والرأي السديد. حتى ولقد مهدوا السبل ليشركوا الزراع أنفسهم في هذه الحركة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015