ويبث فيهم روح الملاينة والمهادنة. ولمن أوتي بعد من العلم والقدرة ما يمكنه من الاشتغال في الفلسفة أن يفعل ذلك وأن يعدو بها شأوا وراء ما قد وصلت إليه إذا استطاع ويسمو بها درجة فوق ما بلغت.

الفقيه - حبذا ذلك أو أمكن! شعب كل أفراده فلاسفة يجتمعون في حومة الخصام تحت عجاجة المغالطة والتضليل والسفسطة يثور بعضهم على بعض ويثب بعضهم ببعض وقد يضرب بعضهم بعضاً.

لذوي الجدال إذا غدوا لجدالهم ... حجج تضل عن الهدى وتجور

وهن كآنية الزجاج تصادمت ... فهوت وكل كاسر مكسور

الفيلسوف - إن القليل من اللطمات واللكمات يتبادله الجماعات من آن إلى آخر ليصلح من أحوالهم كما يصلح الطعام القليل من الملح والبهار. وبفرض أن هذا التلاكم شر فإنه على كل حال أهون من شر حكومة القسوس وما تتضمنه من اضطهاد الشيع من المارقين والخوارج ونهب الأهالي ونصب محاكم التفتيش وشن الحروب الصليبية وما إلى ذلك. كل هذه الآفات كانت نتيجة خرافات الدين ورموزه وكناياته وأساطيره المقررة المسجلة المسنونة المشروعة. ولذلك لا أزل أقول إنك لن تحصد الخير من الزور والباطل كما لن تجني العنب من الشوك.

الفقيه - إلى م أكرر سمعك أن الدين ليس بزور وباطل وإنما الحق ذاته في ثوب من الرمز والكتابة. أما قولك أن لكل فرد أن يقرر لنفسه ما شاء من المذاهب الدينية فإني أعترض عليه بأن مثل هذا التخصيص جد مخالف ومناف لطبيعة البشر، فلو حدث لمحي النظام الاجتماعي بحذافيره. وقد قيل أن الإنسان حيوان لا مادي (مولع بالبحث فيما وراء المادة) أي أن له في الغيب وفيما وراء الطبيعة حاجات ومآرب. ومن ثم تراه لا يزال ينظر إلى الحياة من وجهتها اللامادية ومن هذه الوجهة وعلى هذا الاعتبار يحاول أن يفهم معاني كل شيء في الوجود وأسرار كل كائن.

وعلى ذلك فبالرغم مما نراه من ضعف الثقة ومرض اليقين في كافة العقائد الدينية وكثرة ما يغشاها من الريب ويحوم حولها من الشكوك فقد نرى أن الأديان كلها متشابهة متماثلة في الجوهر الأساسي من أركان ناحيتها اللامادية وعناصر جانبها (الغيبي) حتى لترى أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015