هذه الفئة القليلة يختارون فئة أقل وإلى هؤلاء يحسرون اللئام عن جزء آخر من الحقيقة ثم ينحون هذا النحو حتى يصلوا إلى النخبة المتقاة والصفوة المختارة. وهي أساسها المعرفة الصحيحة والخبرة الدقيقة باختلاف الكفاءة الذهنية في طبقات البشر.

الفقيه - إن ما تتخذه الآن من أساليب التربية الثلاثة أعني الابتدائي والثانوي والعالي هي إلى حد ما صورة مما كان يتبعه القدماء من طريق تعليم الناس أشرار العلوم.

الفيلسوف - هذا على التقريب فقط وهو صحيح من هذه الوجهة وهي أن العلوم الراقية كانت تكتب باللاتينية التي كان لا يفهمها إلا الصفوة المختارة من العلماء. فإما وقد ألغي هذا النظام فقد تدنست تلك الأسرار المقدسة بإبرازها من حجاب اللاتينية وابتذالها بعرضها على أبصار الغوغاء المدنسة.

الفقيه - كيفما يكن ذلك فلا تنس أن الواجب عليك عند انتقاد الدين أن تتأمله من الوجهة العملية أكثر مما تتدبره من الوجهة النظرية. فغير خاف أن الفلسفة الغيبية (ما وراء المادة) قد تكون عدوة الدين ولكن الفلسفة الأخلاقية لن تزال صديقة له وخليلة. ويحتمل أن يكون أكذب ما في الدين هو جانبه المتعلق بالغيب وما وراء المادة. ولكن لا مشاحة في أن جانبه الخاص بالأخلاقيات حق صراح. وهذا ظاهر من الأديان المختلفة إذا تباينت وتناقضت من حيث ناحيتها الغيبية (الخاصة بما وراء المادة) فإنها لتتفق في ناحيتها الأخلاقية.

الفيلسوف - وهذا يؤيد القاعدة المنطقية وهي أن المقدمات الباطلة قد تؤدي إلى نتيجة صحيحة.

الفقيه - تمسك إذن بنتيجتك التي وصلت إليها ولا يفوتنك أبداً أن للدين جانبين فهو إذا كان باطلاً ومحالاً من الجانب النظري أعني من الجانب الذهني فإنه من الجانب الأخلاقي الوسيلة الوحيدة لهداية وإرشاد وتعليم وتهدئة هذه الحيوانات المتعقلة الذين قرابتهم إلى القردة لا ننفي أن لهم نسبة قريبة ورحماً ماسة بالذئاب والنمرة والدين في الوقت ذاته فيه قضاء حاجتهم وشفاء غليلهم من حيث تفسير أسرار الكائنات والغاز الحياة والموت والفناء والخلود والروح والمادة والآجلة والعاجلة تفسيرا يلائم كثافة أذهانهم وانحطاط مداركهم. والظاهر لي أنه يعوزك الفطنة التامة إلى الفرق الهائل الذي هو كفرق ما بين السماء والأرض والهوة السحيقة بين الرجل العالم المستنير المدرب على التفكير والتدبر وبين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015