سير القمر وهو يتقدم في هدوء وصفاء في وسطها أما أنا فكل شيء يسبب لي اضطراباً ويحدث فيّ هزة ولكنه ستهوي أميالي ويقتاد أهوائي وإلى هنا كان الاب سويل صامتاً لا ينطق مرسلاً على معارفه سيما الجد وكان يحمل بين جانحيه قلباً حدباً رقيقاً ولكنه كان يلبس مظاهر التعبيس والانقباض وما أظهره شكتاس من الاحساس جعله يعدل عن صمته ويقول لرينيه إني لم أجد شيئاً يستحق الشفقة والمرحمة في قصتك وإني أرى منها شاباً مفعماً بالخيالات يؤلمه كل شيء ويترك ما عليه من الواجبات الإنسانية ليندفع في تيار أفكار لا طائل تحتها وإذا كان الإنسان ينظر إلى الحياة نظرة سوداء فليس في هذا دليل ناهض على أنه اسمي من الناس نفساً وأرجح منهم لباً وأنا لنكره الناس وتنقض الحياة عند مالعجز عن أن نمد نظرنا إلى أعماق النفس الإنسانية وإنك لو أرهفت البصر وحددت الطرف لوجدت أنك تشكو من أشياء لا وجود لها وإنه لمخجل ومزر بشأنك أن لا يكون في منال قدرتك ومناط همتك النظر إلى كارثة حياتك الوحيدة بدون أن يحمر وجهك منها خجلاً وإن الدين والفضيلة والطهارة كلها مجتمعة لم تروح عن نفسك الحزينة ولقد كفرت أختك عن ذنبها وإنك هنا في الغابات تذهب أوقاتك عبثاً وتهمل واجباتك وقد تظن أنك تتشبه بالقديسين الذين كانوا يقيمون في الصحراوات ولكن هؤلاء كانوا يقضون أوقاتهم هناك في أخماد جمرة الأهواء ومغالبة سورة الأميال بينما أنت تذهب أوقاتك في إيقاظ تلك الأهواء وتحريك هذه المنازع ومن علمك أيها الشاب المغرور أن الإنسان كثير بنفسه وغن الوحدة لتفسد من لا يعيش فيها مع الله وإنها تضاعف قوة الروح ومن ناحية أخرى لا توجد سبيلاً للانتفاع بتلك القوة وإن من تمنحه الطبيعة قوة ينبغي له أن يصرفها في إنهاض نظرائه والأخذ بيدهم وإذا ترك تلك القوة مهملة فإنه يعاقب عاجلاً أو آجلاً بالشقوة الأبدية.
وقد أفاق رنيه لما سمع هذا الكلام فرفع رأسه من صدر شكتاس وابتسم شكتاس تلك الابتسامة التي تتجلى على الشفة بدون أن يظهر أثرها في العين وكان لهذه الابتسامة معنى غامض سماوي ثم قال شكتاس لرنيه إنه يخاطبنا يا ولدي بلهجة شديدة وكلامه هذا يقوم المموج فينا وهو على صواب في كل ما يقول وإني أشايعه على أنه الاليق بك أن تزايل هذه الحياة الغير المألوفة والمفعمة بالأحزان وأنه ليس هناك سعادة إلا في الاندماج في الحياة العامة وإنه في ذات يوم شكا المسيسبي عند منبعه من أنه ليس له سوى مجرى