واكتئاب ويخيل لي الآن أن صدى الجرس الذي كان يدعو الراهبات إلى الصلاة الليلية والدعاء لا يزال يظن في أذني ولما كان يدق في رفق وكانت الراهبات يتقدمن في سكون إلى المذبح كنت أسير سيراً حثيثاً إلى الدير وكنت أسمع من وراء حيطانه آخر أناشيدهن التي كانت تختلط تحت أقبية الدير بصوت الأمواج الواهي وقد ملأ نفسي السرور والابتهاج ولست أدري كيف أن تلك الحالات التي كان من حقها أن تنمى همومي وتكثر من أشجاني كانت على عكس ذلك تستدفع مرارة همي وتخضد شوكته ولقد كانت تنحدر من عيني الدموع على الصخر وفي الرياح ولكنها لم تكن دموع الغضب ولقد صار حزني الخارج بطبيعته وجوهره عن حد المألوف يحمل في ثناياه نوعاً من الشقاء وإن الإنسان ليسره كل شيء غير مألوف ولو كان في طيه نكبةمن النكبات وكنت آمل أن أختي سيقل حزنها وقد وصلني منها خطاب قبل سفري أكد في نفسي هذا الظن ولقد كانت امليا تشاركني في همومي وتحنو على في اللأواء وقد ذكرت لي أن الأيام انقضت همومها وقالت إنها لا تيأس من السعادة وقد هبت على قلبها نسمات الهدوء من وراء التي قمتها وقالت أن بساطة رفيقاتها وسمو مقاصدهن وانتظام أسلوب معيشتهن كان يرسل السرور والبهجة في نفسي ويبدد منها سحب الأكدار ولما كنت أسمع دوي الزوبعة وأرى طائر البحر من نافذتي يرنق بجناحيه ويغالب العواصف كنت أفكر في السعادة التي نالتها طائرة السماء من وراء العثور على ملأ يرد عنها هوج العواصف وإن ذلك الدير هو الجبل المقدس الذي نسمعه من قمته آخر أصوات الأرض وأول موسيقى السماوات وهنا يخدع الدين النفس عن الإحساس ويطهر حسراتنا وينقيها ويبدل اللهب المتهالك بلهب باق على الأيام ويمزج الدين سكونه وبراءته ببقايا ألعاب قلب يهوى الراحة وحياة قاربت النهاية.

ولست أعرف ما تضمره لي المقادير وما ستلده الليالي الحبالي وهل الرياح العواصف ستتبع طريقي ما عشت ثم صدر أمر إلى السفن بالإقلاع وكانت طائفة من سفن العمارة على أهبة السفر عند الغروب وكنت قد نوى أن أقضي الليلة الأخيرة في البر لأكتب خطاب الوداع لامليا وعند منتصف الليل لما كنت مشغولاً بذلك ولما كانت الأوراق مبللة بدموعي وكان عزيف الرياح مرتفعاً تسمعت في صوت العاصفة المرنان فميزت صوت المدافع مختلطاً بدقات جرس الكنيسة فلجأت للساحل وكنت منفرداً وكان الشاطئ قفراً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015