الكنيسة ولما دنت الساعة من الحادية عشر قصدت الدير ولا شيء يصدع حصاة القلب مثل رؤية منظر كهذا ومما يشب الحسرة ويستضرم الكمد أن نعيش بعد رؤيته وكانت الكنيسة خاصة بالناي ثم اهتديت إلى مقعدي في المحراب وقد جلست على ركبتي غير عالم بما أصنع وبما قام في خاطري ثم وقف الراهب أزاء المذبح وفتحت النافذة السرية وأقبلت امليا وقد تزينت بكل لماع من الحلي وفاخر من الثياب وسائر صنوف الأبهة الدنيوية ولقد كانت إذ ذاك غاية من الملاح والحسن وكان يبدو على محياها المشرق معان مقدسة تثير الدهشة والإعجاب ولما بهر ي ذلك الحزن الجليل الفخم الذي أقبل على نفسي من تلقاء القديسة وملا نفسي ذلك الجلال الديني غابت من نفسي كل نوايا الشر للقديسة وخارت قواي وشعرت أني في قبضة يد قوية ولم أجد في قلبي غير إعجاب عميق وخشوع وضرع وجلست امليا تحت مظلة وابتدأت الحفلة على أنوار المشاعل وفي وسط الأزهار والروائح العطرية وعند ما وهبت نفسها وكرست حياتها نزع الراهب عنه ملابس ولم يبق على نفسه سوي غلالة من كتان ثم صعد المنبر وألقى خطبة قصيرة مؤثرة أتى فيها بوصف سعادة العذراء التي وهبت حياتها للسيد ولما قال وهي مثل البخور الذي يتفانى في اللهب استولى على الحاضرين سكون تام وانتشرت الروائح الفردوسية وكانت للناس تشعر أن الملائكة قد هبطت الأرض وكأن أجنحتها ترفرف ول المذبح ولما أتم الراهب خطبته ولبس سائر ثيابه واستمرت الحفلة رأيت امليا وقد ركعت على ركبتها على آخر درج المذبح وكان يعاونها في ذلك اثنان من الراهبات الصغيرات وهنا طلبت لأقوم بالوظيفة الأبوية.
ولما سمعت امليا صدى خطواتي المضطربة في المعبد كانت على وشك الإغماء ووقفت إلى جانب الراهب لأقدم له المقص وفي هذه اللحظة شعرت بتجدد ثوراتي واشتعلت في تفسي نيران الغضب ولكن امليا استعادت قوتها ورمتني بنظرة حشوها التأنيب واللوم والحزن كسرت من حدتي واطفأت ما احتدم من غضبي واستفادت أختي من اضطرابي وتقدمت بكبرياء وصيد وكان شعرها الفاخر يتساقط على النيران المقدسة وارتدت برداء كثيف ونزعت الحلي ولكن ذلك لم يزر بجمالها وكان الملل المرتسم على جبهتها قد سترته تحت عصابة من التيلة كان على رأسها النقاب الغريب الذي يرمز للدير والعذراء ولم أرها