فمضى وهو يقول بصوت المغتبط السعيد: ثق بنا واعتمد علينا سنكلم العجوز في شأنك ونأتيك بجوابها.
انتظرت الجواب بفارغ الصبر فلما كان المساء دخل علي إرداليون فخبرني أنه لم يوفق إلى مقابلة العجوز ولكني دفعت بالرغم من ذلك ليرة على سبيل التشجيع فلما كانت صبيحة الغد عاد إلي فرحاً متهللاً وقال أن العجوز سمحت بمقابلتي، ثم صاح إرداليون بغلام صغير فقال:
يا صبي، يا غلام. .
فدخل طفل في السادسة من عمره مطلي كله بالهباب محلوق الرأس عليه رداء واسع ممزق وحذاءان تتيه فيهما قدميه من فرط السعة. وقال له إرداليون: أنت تعرف أين تذهب بالسيد وأشار نحوي. ثم التفت إلي وقال وأنت يا سيدي إذا بلغت المكان فسل عن مستريديا كربوفنا (اسم العجوز).
فهز الغلام رأسه إجابة وانطلقنا.
سرنا مسافة طويلة في طرقات المدينة ت التربة حتى انتهينا إلى أشدها وحشة وإقفاراً فوقف دليلي أمام دار خشبية وشرع يمسح أنفه المهبب في كم ردائه ثم قال (ها هنا اذهب يمينا) فولجت الباب إلى الدهليز الخارجي ثم ذهبت أتعثر نحو اليمين فإذا باب حقير منخفض قد بدأ يصر على مفاصله الصدئة وإذا أمامي شيخة عجوز بادنة ضخمة عليها ثوب أسمر مبطن بفرو الأرنب وعلى رأسها منديل ملون.
قلت مستفهماً: مستريديا كربوفنا
فقالت العجوز: هي هي في خدمتك ادخل يا سيدي، ألا تأخذ كرسياً؟
وكانت الغرفة التي أدخلتني فيها العجوز مزدحمة بكل أصناف الخرق البالية وسقط المتاع والوسائد والفرش والأكياس والركايب حتى لا تكاد تجد فيا مجالاً للحركة. وكانت أشعة الشمس لا تكاد تنفذ من زجاج نافذة صغيرة تربة. وسمعت من إحدى زوايا الغرفة ومن وراء كثيب من الصناديق المركومة فوق بعضها صوت ولولة وأنين ضعيف لم أدر ماذا كان مصدره - لعله طفل عليل أو لعله لعبة من اللعب الخشبية الصياحة. فجلست على كرسي وقامت المرأة بين يدي وكان وجهها مصفراً نصف شفاف كأنه صنع من الشمع.