وعلى كثرة أربابهم ومعبوداتهم، والمجوس وما كان بينهم من تنازع إلهين على السيادة ومصارعة ربين على السلطان والعبادة، واليونان والرومان والمصريون ومتاحفهم مفعمة بصور الآلهة ودمى الأرباب. وإن كانت آداب تلك الآلهة أحط من آداب الذين كانوا يعبدونه، يوم ظهر عيسى عليه السلام، وكذلك حالة الدنيا المتحضرة يوم بدأ المسيح ينشر تعاليمه، ويدعو إلى الله دعوته، ولقد كان ذهنه على فرط أمانيه الجميلة التي كان يريد تحقيقها في هذا الكون الأرضي، وآماله وعلالات نفسه ومقاصده ومبادئه العالية، خلواً مما نسبه إليه أتباعه من تلك الدعوى الكاذبة التي ألصقوها به إلصاقاً فهو لم يدع أنه روح القدس ولم يقل أنه كان لله ولداً، حتى أن المسيحية الكمالية العصرية في هذا الزمن المهذب، والعهد المتحضر، لم تستطع على اليوم التخلص من تلك الوراثة القديمة والعقيدة المنحدرة إليهم من العهود الماضية، والمزاعم التي ورثوها عن أولئك الذين كانوا يشبهون الله بالناس وينسبون إليه الصفات الآدمية، في الحقب السالفة، وقد مضى الجيل بعد الجيل، وتعاقبت القرون أثر القرون، حتى أخرج الناس كل شيء آدمي إنساني، من تاريخ ذلك النبي العظيم ومحوا منه كل صفة إنسانية أرضية، حتى أضحت شخصيته مختفية وراء حجب وسحائب من الأقاصيص والترهات.

وأنت تعلم أن كثيرين من الناس تأبى عليهم أذهانهم القصيرة، وأبصارهم الحسيرة من جراء عجزهم عن الشعور بقرب الله العلي الأسمى، على منال أعينهم ومستشرف أنظارهم، أن يبحثوا عن (محل استراحة) في وسط الطريق بين الله والناس فيخصوا إنساناً بالعبادة، وينادوا به إلهاً، وهذا هو السبب الذي جعل المسيحية الحاضرة تلقب أمراً خيالياً بالألوهية وتكسوه اللحم والعظم وتعبده كأنه إنسان إلهي.

ونحن ننكر إنكاراً باتاً أن عيسى ادعى يوماً من اليام أو مرة من المرات أنه ابن الله بالمعنى الذي أوله زعماء المسيحية ورجالاتها وقد أبان الشاعر الأديب النقادة العظيم ماتيو أرنولد أن كتاب العهد الجديد - الإنجيل - لا يصح من كثير من الوجوه الاعتماد عليه.

ولئن فرضنا أنه قال تلك العبارة التي نسبت إليه فهل يثبت ذلك أنه ادعى حقاً أنه ابن الله، أو لم يسمع أهل المسيحية بنبأ ذلك (الدرويش الشرقي) المشهور باسم الحلاج الذي ادعى أن الله بذاته وجعل يقول (أنا الحق. . .) فما كان من زعماء المسلمين والمتنطعين في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015