والرجل الذي يطيل الشكوى من زوجه، ويكثر الأنين منها، ولا يفتأ يصدر الأنات والزفرات من عدم صلاحها، لا يصيب في المجالس إلا سخرية، ولا يجد في الناس إلا تهافتاً وهزؤاً، ويضيق القوم به ذرعاً، ويبرمون بحديثه وشكواه، بل لعله مثير في النفوس الرحمة لزوجه التي يلعنها، مكسبها من القلوب شفقة، غير ظافر من السامعين بسخط عليها أو غضب منها أو مشاركة معه في التبرم بها.
والقول السائر: وهو أن الرجال مختلفون، ولكن الأزواج سواسية لا بد أن يكون مصدره امرأة، ولا ريب في أنه أول ما قيل في الدنيا إنما خرج من فم زوجة، فإن النسوة المتزوجات إنما يعتبرن جميع الأزواج في نطرهن طائفة واحدة، هي آفة لا بد منها، وأما النساء فثلاث عند الرجال:
المرأة التي لا يتكلم عنها زوجها في المجامع مطلقاً.
والمرأة التي لا يفتأ زوجها يتمدحها في المجالس ويغالي في وصف محاسنها ومفاتنها.
والمرأت التي يذمها رجلها ويعيبها وينتقدها ويحدث الناس أسوأ الحديث عنها.
أما النوع الأول من الأزواج فلا نجد عاباً نسوقه إليهم ولا ذاماً نلحقه بهم، بل نوصيهم بالدأب على عادتهم والجمود على شيمتهم تلك، وأما الفريق الثاني والطائفة الثالثة فأحق بالذم، وأدعى إلى النقد، وأخلق بالتأنيب، وإني لا أجد شيئاً يستحق الذم أن أسمع رجلاً لا يفتأ يحدث الناس عن زوجه فيقول أنها طاهية صناع أو مربية صالحة التأديب، أو حائكة تجيد الزركشة والتطريز. فإن للناس أن يذكروا كلما تجاذبوا أطراف الحديث شيئاً عن هذه التفاهات والسخافات وإلا انتفى الحديث وبطل السمر، وذهبت لذة المحادثة والحوار، وإنما أشد ما أكره من المتزوجين ذلكم الرجل الذي يختلي بعد الاستراحة في الفصل الأول أو الثاني من الرواية في دار التمثيل أو الملهى، فيقول لك: إن جميع أولئك الممثلات المليحات، وهؤلاء الراقصات والفتيات لا يدانين امرأته في جمالها، ويمضي يحدثك عن جمال قامتها، وسمو كتفها وأن ذراعيها أجمل ما في الدنيا وما في العالم النسائي كله من أذرع وساعد. ولو أنك اطلعت إلى بيته وشهدت زوجته لعلمت أن كتفيها موضوع سخرية لداتها وأترابها، وملتقى استهزاء الجيران وهدف لتهانف الأقرباء والمليحات، ولو علمت بعله بهذا الكذب الذي يكذبه زوجها على الله وعلى الناس لخجلت وراحت منه غضبى