البوصيري رحمه الله أو صدى الحرب لشوقي أو كشف الغمة للبارودي أو غيرها مما لا يجهله الأدباء، وما القافية في قوتها وتمكنها إلا طراز الصناعة لا يقصر فيها إلا مقصر ضعيف ولا يستهين بها أو يبتذلها هذا الابتذال إلا شعراء المتون إذ هم لا يريدونها إلا خاتمة للبيت من النظم كما صنع حافظ.

والرابعة أن الأسلوب القصصي في هذه العمرية لا يجري على قاعدة من قواعد القصص والرواية وليس فيه من أثر الفن الروائي شيء بل هو تقليد ضعيف جداً لبعض ما جاء من أساليب القصص في القرآن الكريم وكان هذا أدل على جهل الشاعر بقواعد البلاغة وطرق النظم المعجز، لأن الأساليب القصصية في القرآن تساق على نمط يراد به البلاغة والإعجاز قبل التاريخ والسير وقبل معنى الخبر وشرحه فلا يتأتى لكائن من كان من البلغاء أن يعارضه أو يجري على أسلوبه في كثير ولا قليل لأن التاريخ فيه ليس مفرداً بالوضع بل هو يأتي في سياق الكلام ويراد للتمثيل والموعظة والعبرة ونحو ذلك، فلو أن الشاعر كان بصيراً بمذاهب الكلام لما اختار هذا النسق الذي جاءت به القصيدة فصولاً يدفع بعضها في قفا بعض، ولو أنه كان شاعراً بحق وكان من رجال القرائح وحكماء الكلام لنظم في سيرة عمر رواية كاملة يخرج لنا بها الياذة عربية في مثل روح هوميروس أو نفس الفردوسي أو السعدي أو ملتن أو دانتي أو غيرهم من شعراء الأمم ولكن أني له وهو يرى نفسه من الضعف ما يجعل مثل هذه القصيدة في اعتباره ديواناً، ويرى حوله من النفاق وسوء التقدير ما يجعله في رأي نفسه كأنه تاريخ على حدة والعجيب أن يكون هذا شأن من حوله مع أنه هو نفسه يقول أنه ضعيف الحال واهيها ويقر في قصيدته بأسلوبها وفصولها أن عمر في هذه القصيدة إنما هو أمثلة من عمر لا غير.

وانظر مطلع القصيدة ومقطعها وأين هما من براعة الاستهلال وبراعة المقطع بل انظر هذه المعجزة الكبرى في أساليب الرواية وكيف بدأ تاريخ الرجل بمقتله.

ثم تأمل كيف تنقطع الصلة بين كل فصل من القصيدة وما بعده كأن ليس في البلاغة شيء يسمي حسن التخلص ولا في أصول فن الرواية ما يقضي بتعليق فصل على فصل ومراعاة السياق ونحو ذلك، وكأنه يكفي أن يقال (مقتل عمر) (إسلام عمر) (عمر وبيعة أبي بكر) الخ الخ فهل هو يضع كتاباً في التاريخ أو ينظم متناً من المتون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015